معين لا ينضب عن تاريخ الصحافة في بلادنا، مرجع هام لدراسة الحياة الثقافية و الأدبية في تونس خلال الثلاثينات...معلم هام من معالم تاريخ البلاد في عهد الحماية: ذلك هو الأستاذ محمد بن احسين، الذي رغم تقدّمه في السن، إذ هو يبلغ الآن ثمان و ثمانين سنة، مازال يملك كل المؤهلات البدنية و العقلية ليقوم بعمله في إدارة الترجمة بوزارة الاعلام، و مازال أيضا يتذكّر الفترات الحاسمة من تاريخ البلاد، على الصعيد السياسي و الثقافي و الصحافي، خلال النصف الأول من القرن العشرين.
العربي شويخة : محمد ابن حسين ستون سنة من
الصحافة معين لا ينضب عن تاريخ
الصحافة في بلادنا، مرجع هام لدراسة الحياة الثقافية و الأدبية في تونس خلال
الثلاثينات...معلم هام من معالم تاريخ البلاد في عهد الحماية: ذلك هو الأستاذ
محمد بن احسين، الذي رغم تقدّمه في السن، إذ هو يبلغ الآن ثمان و ثمانين سنة،
مازال يملك كل المؤهلات البدنية و العقلية ليقوم بعمله في إدارة الترجمة بوزارة
الاعلام، و مازال أيضا يتذكّر الفترات الحاسمة من تاريخ البلاد، على الصعيد
السياسي و الثقافي و الصحافي، خلال النصف الأول من القرن العشرين. ما يميّز هذا الرجل هو أنه
لم يعرف من خلال عمله العادي، بل على العكس من خلال أنشطته الأخرى التي كان يقوم
بها بجانب وظيفته الأصلية، الأمر الذي يجعله أحسن شاهد عيان على الأحداث الكبرى
التي هزّت البلاد، أثناء حركة التحرير الوطني و هو إلى جانب ذلك صحافي كبير وز
أحد قدامى الميدان، إذ هو اكتسب نصيبا هاما من المعلومات، عن تاريخ الصحافة في
فترة الاستعمار التي مرّت بها البلاد، ذلك أنه ساهم في أغلب الصحف التي صدرت و
ازدهرت في عصره. الكتابة نضال ومنذ أن بلغ الثالثة والعشرين
من العمر ارتمى الرجل في أحضان الصحافة، فساهم في تحرير جريدة "الصواب"،
لصاحبها محمد الجعايبي، الذي يعتبره صاحبنا أحسن صحافي تونسي على الاطلاق لأنه
اكتسب مهارة لا تضاهى في تصوير الأوضاع و تقديمها الى القراء في أسلوب صحفي
ممتاز، يمكنه غالبا من مراوغة السلطات الاستعمارية، التي كانت بالمرصاد لكل ما
يكتب ضدّها. وفي الحقيقة كان محمد ابن
حسين مولعا بالعمل السياسي، لذلك كان العمل الصحافي عنده ضربا من النضال، و يقول
هو نفسه في هذا الصدد أن لم يكن و زملاؤه من الصحافيين المناضلين يطالبون باجر
مقابل المقالات التي كانوا يكتبونها، "لأن الكتابة بالنسبة إلينا نضال
ووسيلة لمساعدة الصحف الوطنية". كان محمد ابن حسين عضوا في إدارة
الحزب الدستوري القديم وساهم في تحرير الجريدة الناطقة باسم "الاتحاد"
و كانت كتاباته تحوم عادة، حول موضوع المساواة بين التونسيين و الفرنسيين. و
يذكر أن ابن حسين في هذا الصدد، أنه نشر سلسلة من المقالات تحت عنوان: "هل
نحن متطرّفون" يردّ فيها على الاتهامات التي كان يكيلها للحزب الدستوري
القديم اتجاهان سياسيان جديدان وهما حزب الإصلاح الذي أنشأه حسن القلاتي و الحزب
الدستوري المستقل و على رأسه فرحات بن عياد، و قد نقلت صحف مصرية، قريبة من سعد
زغلول آنذاك بعض تلك المقالات على أعمدتها. تشجيع الصحف الوطنية وتشجيعا للصحف الوطنية و حبا
في الصحافة، قرر الأستاذ محمد ابن حسين منذ العشرينات من هذا القرن، أن يمد يد
المساعدة إلى بعض العناوين المعروفة، منها بالخصوص "العصر الجديد"
التي أسسها حسين المهيري و "الأمة" و مديرها الحاج علي بن مصطفى و"الزهرة"
و مؤسسها عبد الرحمان الصنادلي، و غيرها من الصحف ذات النزعة الشيوعية، التي
أسسها "لوزون". ولهذه الأسباب تعرّض منزله
سنة 1922 للتفتيش من قبل الشرطة التي كانت تعتقد، أن بحوزته وثائق تثبت العلاقة
بين الحزب الحر الدستوري و الحزب الشيوعي، و لكن أعوان الشرطة لم يجدوا طبعا أي
شيء يثبت ذلك. التعامل مع الظروف على إثر مؤتمر قصر هلال الذي
انعقد سنة 1934، غيرت كثير من الصحف لهجتها وساندت انبعاث الحزب الحر الدستوري
الجديد. و قبل محمد ابن حسين في سنة 1937، تحرير افتتاحية جريدة
"النهضة" التي كان يديرها الشاذلي القسطلي و التي كانت فيما مضى قريبة
من حزب الإصلاح، و لكنها غيرت بعد ذلك اتجاهها و أصبحت قريبة من الحزب الحر
الدستوري الجديد. و في تلك السنة أيضا دعي
محمد ابن حسين، لإدارة مجلة "الجامعة" التي أسسها ثلة من المثقفين
التونسيين، كان ضمنهم علي البلهوان و محمد العنابي و محمد الشاذلي النيفر، لكن
صدور "الجامعة"، توقّف بعد عام من تأسيسها. ويتحدّث محمد ابن حسين عن
الصعوبات التي كان يواجهها أثناء عمله الصحافي فيقول "قبل كل شيء كان علي
في كل مرّة أن أنظر الى الظروف المحيطة بي و أن أقرأ العواقب، لأنه لا ينبغي أن
ننسى أنني كنت موظفا في إدارة المالية، و قد اضطرتني الظروف القاسية و الإجراءات
التعسّفية التي كانت تلجأ اليها سلطات الاستعمار، أن ألازم الصمت أشهرا طوالا، و
لكني لم أستطع مواصلة الصمت، و التجأت الى الكتابة تحت أسماء مستعارة ك"ابن
جلا"، إلاّ أن السلطات الاستعمارية تفطنت الى ذلك و مرة أخرى، اضطررت الى
ترك الكتابة حينا من الزمن. وبعد استقلال تونس، عمل الأستاذ
ابن حسين في جريدة الحزب الدستوري "العمل"، التي كان يشرف عليها
الأستاذ رشيد ادريس، ولكن سرعان ما استهواه العمل الإذاعي حيث اصبح يكتب برنامج
"حديث الصباح"، مرتين في الأسبوع لمدة عشر سنوات، و في 1970 فضّل ابن
حسين الانسحاب من الإذاعة، اذ بلغ عمره آنذاك 74 سنة. وعندما سئل الأستاذ محمد
ابن حسين هل يفكّر في كتابة مذكراته، أجاب أنه يمكن أن يفعل ذلك خصوصا أن كثيرا
من أصدقائه طالبوه بذلك". |
عبد القادر معالج، محمد ابن الحسين ستون عاما صحافة، المطبعة المركزية، تونس، 1987، 135 ص. |
CHOUIKHA LARBI, LA DIFFICILE TRANSFORMATION DES MEDIAS, Editions Finzi, 2015, 115 p.
Larbi Chouikha, Éric Gobe, Histoire de la Tunisie depuis l'indépendance, edition La Decouverte, 2015, 128p.
Mohamed Larbi Chouikha, Médias tunisiens, Le long Chemin de L'emancipation (1956-2023), edition Nirvana, 2024, 318p.
المصدر: العربي شويخة، محمد بن الحسين ستون سنة صحافة،
جريدة لابريس La Presse، 22 ديسمبر ،1985.
ترجمه عبد القادر المعالج و أورده في ملحق كتابه (ص: 109-111)، الذي نشر سنة 1987
تحت عنوان: محمد ابن الحسين ستون عاما صحافة.