بحث

التحرير الصحفي من الخبر إلى الرأي

 

المقدّمة


اشتغلت بالتحرير صحفيا في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، ثم مدرّسا لمقررات التحرير في معهد الصحافة بتونس ثم بقسم الإعلام بجامعة البحرين و قسم الصحافة بكلية الإمارات للتكنولوجيا، و أريد في هذا الكتاب، تلخيص و تبسيط ما قرأته في مراجع الصحافة العربية والأجنبية و ما خبرته أثناء الممارسة الصحفية من أساليب و ما تعرّضت له من صعوبات، و ما وقفت عليه من احتياجات تعليمية عند طلبة الصحافة في خطواتهم الأولى و هم ينتقلون من ارث تمارين التعبير و الإنشاء التي درسوها في مراحل التعليم السابقة الابتدائية و الإعدادية و الثانوية إلى فنون الكتابة الصحفية التي يتعلّمونها في أقسام و كليات و معاهد الإعلام و الصحافة في الجامعة.


اعتمد هذا الكتاب التأليفي، وهو من صنف الكتب المدرسية Handbook ، مجموعة من المراجع العديدة التي أصبحت متوفرة اليوم بينما كانت شحيحة منذ نصف قرن، حول مهنة الصحافة باللّغات الإنجليزية و الفرنسية و العربية و بصفة أخصّ كتاب رائد الكتّاب العرب في مجال الإعلام الأستاذ المصري عبد اللطيف حمزة، الذي نشر في الخمسينيات من القرن الماضي "المدخل في فن التحرير الصحفي" و لم يفقد أهميته كمرجع تعليمي رغم تباعد سنة نشره، و كتاب وليم ريفرس الأمريكي المخصص "للتغطية الصحفية و للكتابة و التحرير لوسائل الاتصال الجماهيرية"، و سلسلة كتب المركز الفرنسي لتدريب الصحفيين و بصفة أخص كتب جون دمنيك بوشي حول "التقرير الحي" و جاك موريكون حول "التحقيق" و هنري مونتون حول "مقال الرأي" و جوزي دي بوكر حول "الكتابة الصحفية"، بصفة أشمل.


تتناول أبواب كتاب "التحرير الصحفي من الخبر إلى الرّأي" تباعا، الخبر و مصادره، وهو النواة الأولى لكلّ الكتابة الصحفية و الحديث الصحفي أو الحوار و مختلف أنواع التقارير مثل التقرير الإخباري والتقرير الحي (الاستطلاع أو الريبورتاج المكتوب حسب العبارة الدارجة في المغرب العربي) وتقرير السيرة (بروفيل) و التحقيق و مقال الرّأي ويستعرض خطط المواضيع الصحفية و ما يسمى أحيانا في بعض المراجع العربية بالقوالب الفنية، ويتوقّف عند بعض أوجه العمل الصحفي إن في المكتب أو الميدان و التحوّلات التي تواجه المهنة الصحفية و تدفعها للتساؤل حول أدوارها الجديدة و أساليب عملها، و ينتهي بجدول مختصر للأشكال الصحفية يحاول تثبيت المصطلحات المتعددة التي يستعملها العرب اليوم للشكل الواحد كأن نقول في المغرب العربي "الاستجواب الصحفي" بينما في المشرق تستعمل الكتب المدرسية عبارة "الحديث الصحفي" و في قاعات التحرير يقولون "مقابلة صحفية" أو "حوار صحفي"، و قضّى الكاتب ما لا يقل عن عشر سنوات لوضع قائمة مصطلحات الأشكال الصحفية، جمعها من كتب الصحافة و عرضها شخصيا على عشرات المدرّسين و الصحفيين المهنيين الذين تشرّف بلقائهم في مناسبات خاطفة و أحيانا عبر المراسلة، فأضافوا و عدّلوا ما رأوه مناسب و دارج عندهم.


مادّة هذا الكتاب تحيين جزئي لما سبق أن نشرته في كتابين، الكتاب الأول عنوانه "دليل كتابة الخبر في الصحافة والإذاعة والتلفزيون" (وزارة الثقافة والاعلام، مملكة البحرين،2010) بالاشتراك مع زميلي المصري، د.عوض هاشم الذي استعرض خصائص الخبر الإذاعي و عالجت شخصيا خصائص الخبر في الصحافة المكتوبة و هو الجزء الذي أعيد نشره اليوم مع التحيين. كما أعيد نشر كل المادة التي وردت في كتاب سابق نشرته تحت عنوان "التحرير الصحفي" (جامعة البحرين، البحرين،2010) يستعرض بقية الأشكال الصحفية، مع إضافة مجموعة من التطبيقات و نماذج لمواضيع منشورة أرفقتها بملاحظات في الحاشية.

د. المهدي الجندوبي

تونس 2023.




شكر وامتنان

لم يكن لهذا الكتاب ليوجد على هذا الشكل، لو لم تجد محاولاتي لتصوّر أجزائه وجمع مادّته و صياغة نصوصه على مراحل منذ مطلع الثمانينات، عندما غادرت وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات) للتفرّغ لتدريس الصحافة، الدعم والتعاون والاثراء و المراجعة، من أساتذتي و زملائي و أصدقائي و طلبتي، فإليهم كلهم أتوجه بالشكر و الاعتراف، لما ساهم فيه كل واحد منهم بأسلوبه، في خلق بيئة عمل و تفكير و تفاعل، هي التربة الطبيعية التي نشأت فيها الكثير من المسائل و الأفكار والتساؤلات، و التجارب المشتركة، التي تغذّى منها كل واحد منّا بقدر ما ساهم فيها بقسط، و نجد لها انعكاسا في العديد من صفحات هذا الكتاب. منهم من غادرنا الى عالم الخلد، تاركا أحسن الأثر والامتنان في نفسي، ومنهم من يرزق حيا، أطال الله عمره.

أذكر بصفة خاصة أساتذتي السادة د. أندري بواييه André Boyer ، أستاذ الجيل الأول من طلبة معهد الصحافة على طوال السبعينات، و هو أول من فتح عقولنا على عالم الكتابة و الطباعة، و كان يصرّ على ترك جهاز التلسكربتر، الذي يتلقى برقيات الوكالة مفتوحا أثناء الدرس، و عندما اشتكينا لديه من "ضجيج" نقراته كان يرد مبتسما، عليكم التعوّد على التركيز والتفكير والكتابة في الضجيج، و كأنه يوجهنا وقتها، الى التأقلم مع كل الظروف و الخروج من عقلية الكتابة الهادئة و المتأنية في مكتب يخيم عليه الصمت و الهدوء، إضافة الى أن الكتابة الصحفية يجب أن تكون ضمن سياق الأحداث المتساقطة، التي تجسمها أنداك نقرات الجهاز و أحيانا ناقوسه عند ورود خبر عاجل؛ و أستاذتي السيدة عليا الزاوش حرم سكيك التي أشرفت على رسالتي لختم الدروس التي ناقشتها سنة التخرّج 1976، حول الافتتاحية في الجرائد اليومية التونسية، و كانت تفتح لنا بيتها لمناقشة أعمالنا، لعدم وجود مكتب على مكان العمل؛ وأستاذي في درس الترجمة د. المنصف الشنوفي مدير معهد الصحافة الذي لم يتردد في نشر كتابي الأول حول صحافة الوكالة، عندما وضعت سنة 1984على مكتبه ، نسخته مرقونة بالآلة الكاتبة، و كنا نجهل الكمبيوتر وقتها، و قلت له "سي المنصف أنا قمت بشغلي و الآن دورك أن تقوم بشغلك"، و حينها لم يكن في ميزانية المعهد بند للبحث و لا للنشر، و أجهل الى اليوم كيف تصرّف، ليخصّص ضمن ميزانية المعهد مصاريف طباعة الكتاب و شرفني بتحرير مقدمته؛ و أستاذي د. رضا النجار الذي أدخلني عالم الكمبيوتر وفتح لي باب التدريب في المركز الافريقي لتكوين الاتصاليين و الصحفيين CAPJC، حيث التقيت بالعديد من الصحفيين العالميين، سواء من ضمن المكوّنين أو المتدرّبين، و بادر باقتراح ترجمة كتاب صحافة الوكالة صحافة الأساس، الذي نشرته بالفرنسية، لاعتمادها وثيقة تعليمية ضمن دورة من دورات المركز، و هو ما قام به د. مصطفي حسن و قام بمراجعته الأستاذ محمد البيلي رئيس تحرير متمرس من وكالة الشرق الأوسط المصرية (مينا). كما أذكر بكل امتنان أستاذي د. عبد المجيد البدوي الذي راجع العديد من نصوصي التعليمية، قبل عرضها على طلبتي في معهد الصحافة و د. عبد القادر بن الشيخ الذي فتح لي ولبعض زملائنا وأصدقائنا بيته، عندما لم نكن نجد مكتبا للعمل في معهد الصحافة، لأن فكرة المكتب الخاص بالأستاذ وقتها لم تكن في ذهن المسؤولين الأفاضل على مؤسساتنا الجامعية، وكان من أكثر الأساتذة الذين تشرفت بمعرفتهم، حرصا على النشر وعلى العمل الجماعي وعلى ربط الجامعة بمحيطها المهني. كل امتناني الى أستاذي وزميلي وصديقي د. يوسف بن رمضان الذي ساهم في اثراء عقولنا، بمفاهيم علم الاجتماع ليوسّع فهمنا للصحافة، ووضعها في نسق اجتماعي أكثر تعقيدا وأرحب من النظرة "الحرفية" الصرفة، التي كانت سائدة في عقولنا وقتها، وشرفني بمشاركته سنتين في تدريس سيمينار البحث في مجال الاعلام الذي كان يشرف عليه، كان له أكبر الأثر على تكويني وتأطيري في خطواتي الأولى في الجامعة و خاصة التعوّد على الذهاب و الإياب بين مخزون النظريات التي توفّرها العلوم الاجتماعية كمفاتيح ممكنة لقراءة الواقع من جهة، و الممارسة الحرفية للصحافة من جهة أخرى.

كل الشكر مع أحلى الذكريات الى الصديق والزميل د. رضا المثناني وقد جمعتنا رفقة حوار وجدل وتجارب مشتركة في العمل الجامعي، نجد آثارها في تقارير داخلية ثنائية عديدة ساهمنا فيها بتواضع في بيئة معهد الصحافة التربوية التي كانت تسمح بالعديد من اللقاءات والمناقشات وبعض الصراعات و الاختلافات، كانت كلّها محطات ساهمت في انضاجنا الروحي و الفكري، و منحتنا فرص تكوين و تدريب و تعاون بين أجيال و مدارس علمية و أيديولوجية متعددة.

امتناني وشكري الى د. براهيم غلوم عميد كلية الآداب في جامعة البحرين الذي دعم حضورنا أنا وزملائي من معهد الصحافة، عندما انتقلنا الى قسم الاعلام بجامعة البحرين مطلع الألفية والى كوكبة الزملاء الأساتذة من مختلف الدول العربية، الذين وجدنا في زمالتهم كل التقدير والتعاون وأذكر بصفة خاصة الصديق المصري، د. عوض هاشم شريكي في كتاب دليل كتابة الخبر في الصحافة والإذاعة والتلفزيون سنة 2010، وأشكر وزارة الاعلام بدولة البحرين التي تبنت هذا المشروع الثنائي ونشرته. وكل امتناني الى صديقي د. حاتم الصريدي رئيس قسم الاعلام في جامعة البحرين، الذي حرص على نشر كتابي في التحرير الصحفي ضمن نشاطات القسم.

كما أشكر د. وائل إبراهيم الأنقر، رئيس مجلس الأمناء بكلية الامارات للتكنولوجيا، التي شرفتنا بالانتماء الى هيئتها التدريسية ووجدت منه شخصيا كل التواضع والاهتمام والانصات، لتطوير أساليب التدريس نحو أكثر مهنية في مجال التحرير الصحفي وحرصه على البعد التطبيقي في تدريس الصحافة، وجزء من التطبيقات التي تنشر لأول مرة في هذا الكتاب، تم تصوّرها واختبارها في مقررات وورشات التحرير، بهذه الكلية بين سنتي 2015 و2017.

كل الامتنان الى الزملاء الصحفيين الذين سمحت لي العديد من الفرص بلقائهم، على طوال أربعة عقود، ومناقشتهم في العديد من المسائل المهنية، وبعضهم تفضّل بتدقيق قائمة الأشكال الصحفية المثبتة آخر هذا الكتاب. وكل امتناني الى زميل الدراسة على مقاعد معهد الصحافة في السبعينات من القرن الماضي، صديقي الأستاذ الطيب فراد مدير مكتب الجزيرة الجريدة اليومية السعودية منذ نهاية السبعينات، ومدير مكتب مجلة سيدتي في تونس، الذي عرضت على قراءته النقدية و المتأنية على مراحل، الكثير من مواد هذا الكتاب و هو أوّل من دفعني إلى الكتابة باللغة العربية، بعد أن كنت أقتصر على النشر باللغة الفرنسية، و أصلح كل نصوصي التي نشرت بطلب منه في جريدة الجزيرة، و بعضها أعدت نشره جزئيا في مؤطرات هذا الكتاب، و هذا ما دفعني للاستمرار في الكتابة و النشر، بلغتنا الجميلة. كل الشكر الى الأستاذ الصديق جمال جمال الدين خرّيج معهد الصحافة ومدير ادارة التعاون الدولي والتدريب بوكالة (وات)، الذي فتح لي ثانية أبواب وكالة تونس افريقيا للأنباء بعد أن غادرتها سنة 1980، لحضور حلقات تفكير حول أسلوب عمل الوكالة، وجدت كل التشجيع من الأستاذ الطيب اليوسفي خرّيج معهد الصحافة والرئيس المدير العام آنذاك، الذي حرص على المتابعة الشخصية لبعض الجلسات.

الى طلبتي في تونس ومملكة البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة، كل الشكر والامتنان على متعة اللقاء والتعاون، فهذا الكتاب وليد شغلنا المشترك وبعضهم طلب مني مطلع الثمانينات في تونس التدريس باللغة العربية، بعد أن كنت ألقي دروسي بالفرنسية، ودخلت المغامرة معهم وبتأييدهم، وأظنهم صبروا أو سخروا بحياء من بعض أخطائي، لكنها كانت لحظة مفصلية في مساري المهني. أستسمح بعضهم لأني نشرت من غير استشارتهم نماذج من أعمالهم وهم في سن التعلّم.

كل الاعتراف الى د. سالم الأطرش، صاحب مجمّع الأطرش للكتاب المختص، الذي لم يتردد في دخول مغامرة نشر هذا الكتاب رغم ضيق جمهوره المتوقّع، لأنه يتوجّه أساسا الى طلبة الصحافة، حين التقيته لأول مرة في معرض الكتاب الوطني بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي في تونس في فيفري 2023.


المصدر:

د.المهدي الجندوبي، التحرير الصحفي من الخبر إلى الرأي، مجمع الأطرش للكتاب المختص،تونس 2024، 428 ص.


الإتصال بالناشر:

البريد الالكتروني

contact@latrach-edition.com


الهاتف في تونس:


21671336424+


يباع الكتاب بمكتبة الأطرش للكتاب المختص

95 شارع لندن (عبر الباساج)

تونس.