بحث

بدر محمد بدر: كارثة الممارسة الصحفية

الأهرام 9 يونيو-جوان 2013

صدر مؤخرا تقرير الممارسة الصحفية‏,‏ الذي تعده لجنة الممارسة المهنية بالمجلس الأعلي للصحافة‏,‏ والذي يدرس مدي التزام الصحافة المصرية بمعايير ميثاق الشرف الصحفي‏.‏وهالني وآلمني حجم الخطايا والكوارث والأكاذيب التي رصدها التقرير وكيف أن الكثير من هذه الصحف, بما فيها الصحف القومية مع الأسف, تعمدت ممارسة الكذب والتضليل ونشر الشائعات وإطلاق الاتهامات بدون دليل, وما يزيد من خطورتها أنها تأتي في مرحلة شديدة الأهمية والحساسية, تحتاج من كل إعلامي وطني وصحفي شريف, أن يتحلي بأعلي درجات الصدق والتجرد والأمانة والموضوعية والمهنية, بعد ثورة25 يناير الرائعة, التي حررت أقلامنا وإرادتنا.

وفي البداية لابد من تقديم التحية والتقدير للأساتذة الباحثين, الذين قدموا تقريرا مهنيا وعلميا راقيا, يليق بمكانة ومستوي البحث العلمي في مصر بعد الثورة, وعلي رأسهم الدكتور بسيوني حمادة أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بجامعة القاهرة, هذا الفريق الذي إلتزم بأعلي درجات الحياد والموضوعية والأمانة والدقة وهو يحلل الإصدارات الصحفية, في الفترة من20 يناير إلي12 من فبراير2013, والتي شملت18 صحيفة(8 خاصة و4 قومية و4 حزبية و2 عربية).

التقرير الخطير كشف عن أن تضليل الرأي العام والافتقار إلي الدقة احتل موقع القمة في سلم الانتهاكات الأخلاقية والمهنية بإجمالي468 انتهاكا, تمثل61.4% من إجمالي الانتهاكات ويقول معدوه وبدلا من أن تمارس الصحافة دورها في التنوير والترشيد والمساهمة في صنع قرار المواطن, مارست دورا مغايرا قائما علي التضليل, سواء كان هذا التضليل عن قصد وسوء نية, أو نتيجة لغياب المهنية, وهو ما يجعل الرأي العام فريسة لغياب الفهم الصحيح لما يجري من أحداث!.

ومن بين وسائل التضليل التي رصدها التقرير: استخدام عنوان مضلل لا ينطبق مع متن الخبر, ونشر أخبار أو إحصاءات أو مواد صحفية مجهلة المصدر وغير موثقة, والمبالغة والتهويل في تناول الأحداث والأرقام, والكذب ونشر شائعات لا أساس لها من الصحة, وإطلاق الاتهامات وإصدار الأحكام علي الغير بدون دليل, وتقديم وجهات النظر باعتبارها حقائق وغياب الفصل بين الرأي والخبر, والتهوين أو التهويل من العنف الموجه من قبل الدولة تجاه المواطنين أو العكس بدون دليل.

ويقول التقرير إن جريدة الدستور اليومية الخاصة, التي يصدرها رضا إدوارد, احتلت المرتبة الأولي بلا منازع, حيث مارست التضليل132 مرة بنسبة28%, من إجمالي مؤشرات التضليل التي مارستها الصحافة المصرية كافة, تليها صحيفة الوفد الحزبية, التي مارست التضليل40 مرة, ثم روزاليوسف اليومية القومية40 مرة أيضا, كما احتلت جريدة زالفجرس الخاصة, التي يرأس تحريرها عادل حمودة, المرتبة الأولي في انتهاكها للمعايير الأخلاقية والمهنية في العدد الواحد!.

التقرير أشار أيضا إلي أنه تم رصد124 انتهاكا لميثاق الشرف الصحفي ومعايير الأداء المهني والأخلاقي في مجال التشهير والسب والقذف, والذي تجلت مظاهره في: استخدام الألفاظ النابية والتعبيرات المبتذلة, ونشر الصور العارية والفاضحة, والتشهير المجهل بالشخصيات العامة والسب والقذف والتجريح الشخصي واختراق الخصوصية, وهو ما يعكس حالة من الانفلات الأخلاقي, تفضي في النهاية إلي مزيد من الفوضي, وهنا أيضا احتلت الدستور المرتبة الأولي بمعدل40 انتهاكا!

التقرير يحمل الكثير والكثير مما يؤلم أي إعلامي شريف, وأي صحفي يحترم المهنة, وأي سياسي أو مواطن غيور علي وطنه وأمته, ويبقي تأكيد ضرورة مواجهة هذه الانتهاكات بكل حزم, ومحاسبة المسئولين عنها حتي تتوقف هذه الجرائم, وهذا هو دور المجلس الأعلي للصحافة, ودور نقابة الصحفيين, فهل يتحرك أحد؟! أتمني ذلك