دخل حسن بن عثمان مثل الكثيرين الى عالم الصحافة، من زاوية الإهتمامات الأدبية، وتم تكليفه برئاسة تحرير مجلة الثقافة التي تصدرها وزارة الثقافة لفترة عشر سنوات منذ 1996، والتحق بجريدة الصحافة اليومية التي تصدرها مؤسسة SNIPE الحكومية، التي تصدر أيضا جريدة لابريس اليومية وأشرف على ملحق «ورقات ثقافية» الذي يصدر كل يوم جمعة.
وحسن بن عثمان له نشاط مكثف في أكثر من حلقة أدبية ونشر عدة روايات منها:مجموعة قصص "عباس يفقد الصواب" 1986(تم منعه عند صدوره)،بروموسبور 1998، ليلة الليالي 2000، أطفال بورقيبو 2011، الرواية الزرقاء 2014. كما نشر محاولة اجتماعية أدبية تحت عنوان "تونس السكرانا متى تصحو هل تصحو؟".
1986 |
2011 |
ونشر حسن بن عثمان كتابا حواريا مع الباحث والناقد الأدبي توفيق بكار تحت عنوان "توفيق بكار في الموجود والمنشود حـــوار مع حسن بن عثمان، دار سيراس للنشر 1990. وواصل تجربة الكتاب الحواري ضمن نفس السلسلة مع الأستاذ المحامي، عبد الرحمان الهيلة: في شؤون الدين والدنيا، سنة 1990، ومع الباحث المؤرّخ محمد الطالبي : عيال الله، سنة 1992 .
الجمهور العريض يعرف حسن بن عثمان، كنجم من نجوم برامج الحوارات التي تكاثرت بعد الثورة سنة 2011، تحت مسمى "البلاتوهات" التي تجمع بين الخبر والتعليق والسياسة والثقافة وتعتمد الأسلوب الخفيف والهزلي مع درجة من التصادم المبرمج أو العفوي، الذي يغلب عليه الجانب المسرحي.
ومن يكتفي بهذا الوجه الميديائي السمعي البصري لحسن بن عثمان، فهو يجهل حسن بن عثمان الأديب والشغوف بالحلقات الأدبية التي نشأت في تونس في السبعينات من القرن العشرين، على هامش المنظومة الثقافية الرسمية ضمن نوادي أدبية نشطة في دور الثقافة ومجال الكتّاب الناشئين والندوات والصفحات الثقافية والأدبية للجرائد وبعضها سريع الاختفاء.
حسن بن عثمان رئيس تحرير الحياة الثقافية لمدة 10 سنوات |
آخر أعداد الحياة الثقافية بي دي أف
مقطع من مقال يتحدّث فيه حسن بن عثمان عن مساهمته في تاسيس جريدة الصحافة اليومية:
(الصحافة أكتوبر 2018)
"افتتاحية السيد رئيس التحرير جريدة «الصحافة اليوم» [ الجمعة 13 أكتوبر2018] (...) أثارت أشجاني، من جهة أنها تعلن ضمنيا وفاة الجريدة التي أمضيت فيها عمري كصحفي رسمي محترف، له بطاقة صحفية مهنية رسمية، بلا شكّ، لا تؤثر في أداء المهنة الغريبة العجيبة الشاقة، خصوصا وأنا أنحدر من الهامش غير الرسمي، وليست لي شهادة جامعية لممارسة الصحافة، ومع ذلك تدرجت في جريدتي من محرر صحفي متعاقد، بلا أوراق رسمية، بفضل عقد تشغيل، صار عقد عمل دائم، برغبة وإصرار من المؤسسة التي كان رئيسها المدير العام، الصحفي الفنان الرائع محمد محفوظ، حبيبي، رحمه الله، الذي تولّى المؤسسة بعد صلاح الدين معاوي، وقد كنت، قبل محمد محفوظ الذي كان مدير جريدة الحزب «ليرونوفو» باللسان الفرنسي، كنت أنسّق مع صلاح الدين معاوي وهو بصدد التفكير في إصدار جريدة عربية تماثل الجريدة الفرنسية «لابراس»، وتكون في مستواها من حيث الريادة في الصحافة والأخبار والإعلام الذي يليق بالعهد الجديد.
حين توظّفت بشكل رسمي، وأنا المنحدر أو الطالع من الهامش في الكتابة البائسة وأصدائها العالية، بمؤسسة سنيب لابراس، منذ أكثر من ربع قرن، المؤسسة الإعلامية العريقة في أساليب الإعلام بالفرنسية تحديدا، ثم بالعربية على سبيل إرضاء حكم الرئيس بن علي، وإصدار منشور يرضي ذوقه في اللغة العربية الرسمية غير الحزبية، الحكومية تحديدا.
حدث في ذلك الوقت أنني تعاقدت لسنة مع المؤسسة لمدّة سنة، وفي آخر السنة كان رئيسي محمد محفوظ ينوي ترسيمي في خطّة صحفية تليق بالعقد الرسمي بيني وبين المؤسسة. ولكن لحمقي قدمت استقالتي بعد انتهاء عقد السنة. وغادرت إلى جريدة «الرأي اليوم» اليومية للسيد عبد الجليل دمق، التي غادرتها بعد ستة أشهر، تحديدا، بعدما كنت مشرفا على صفحاتها الثقافية اليومية، وعدت إلى مؤسسة «سنيب/ لابراس» وجريدة الصحافة، بعدما وعدني سي محمد محفوظ رحمه الله، بترفيع أجري وبتأمين عودة من غادر معي، صاحبي وصديقي عمر الغدامسي، ووعدني بملحق ثقافي أسبوعي، فيما لو قَدِرْتُ على أن أستقطب خيرة المثقفين في البلاد من أمثال الأستاذ توفيق بكّار والأستاذ شكري المبخوت والروائي الشاعر محمد علي اليوسفي والشاعر الأكاديمي منصف الوهايبي والشاعر المعارض الطاهر الهمامي والشاعر المناهض يوسف خديم الله والشاعر الخارج عن السياق أولاد أحمد وكل شاعر أو مفكر أو ناثر أو فيلسوف على الميدان، بقطع النظر عن معاداته للنظام أو موالاته، فالمهم، والتعاقد بيننا، كان هو النص الإبداعي المكين، أو الواعد بالتمكين، في الإبداع اللغوي، لا في وقاحة ادعاء الإبداع، في كل جنس وممارسة كتابية »
(,,,)
حسن بن عثمان نصا بقلم كمال الشيحاوي في "الصحافة اليوم” الثلاثاء 8 جانفي 2019
“لا ينبغي للصفحة الثقافية أو الملحق أن يكون مجرّد تجميع للنصوص، سيكون ذلك أشبه بالمقبرة، ينبغي أن نحرص على أن نكون سلطة حيّة ودينامية مؤثّرة في مجرى الحياة الثقافية لبلادنا، ولن ننجح في ذلك بمفردنا كصحفيين ، ينبغي للصفحات الثقافية أن تكون مفتوحة على مشاركة خيرة الأقلام التونسية والعربية إن أمكن وأن تكون متنوّعة المشارب والاهتمامات ومحقّقة لمعادلة الإثارة والعمق وإلى ذلك لا بدّ أن نكون أمناء موضوعيين ما استطعنا وأن نضع سقفا عاليا للنصوص التي ننشرها بما يبعد عنّا الرديء والهزيل من النصوص والكتاب”.
هذه بعض الجمل التي بقيت عالقة بذاكرتي وذاكرة كلّ من زامل وعرف الزميل والصديق والمعلّم «حسن بن عثمان» في كلماته التحريضية خلال اشرافه على الصفحات الثقافية لجريدة الصحافة بداية سنة 1994.
بحماس ودعم من الصحفي الرّاحل «محمد محفوظ» الرئيس المدير العام لمؤسسة السنيب في ذلك الزمن اختار «بن عثمان» أن يكون سكرتير تحرير ملحق «ورقات ثقافية» الذي دعا المثقف والناقد الألمعي الرّاحل «توفيق بكار» إلى الإشراف عليه وشكّل حوله حزاما قويا من خيرة الكتاب والجامعيين والمثقفين التونسيين بما جعل هذا الملحق تجربة فريدة في تاريخ الصحافة الثقافية في تونس، حتّى أنّه كان مادّة لمذكّرات تخرّج بمعهد الصحافة وحظي بجوائز في عدد من المهرجانات الثقافية منها «ربيع الفنون بالقيروان».
ويذكر قرّاء هذا الملحق أن كتابة عموده الأسبوعي كانت منحصرة في أسماء «توفيق بكار» و«شكري مبخوت» و«باسط بن حسن» و«الصحبي العلاني» و«حسن بن عثمان» وكان لهذا الفريق رأي فيما يقترح على الملحق من نصوص أدبية وفكرية للنشر بما جعلهم هيئة تحرير متكاملة ولعلّ من أقوى الدروس الثمينة في هذا الملحق والتي ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن كلّ من يفكّر في مشروع ثقافي مميّز هو أنّه لا يمكن أن ننجح في أي مشروع داخل مؤسسة عمومية ما لم تتظافر إرادات الصحفيين من ناحية والإدارة العامّة من ناحية أخرى.
فخلال السنة والنصف التي صدر خلالها الملحق بإدارة «حسن بن عثمان» كانت الإدارة العامة مع «محمد محفوظ» مجزية في خلاص أجر المتعاونين الرئيسيين وكلّ من ينشر نصوصا في الملحق.
ومن دروس هذا الملحق أيضا أن اختيار «توفيق بكار» للإشراف على المشروع كان «ضربة معلّم» كما يقال فالكثير من الشعراء والقصاصين والكتاب كانوا يتنافسون من أجل أن تنشر لهم نصوص بموافقة وبركة «توفيق بكار». وكثير منها تحوّل إلى كتب.
بعد ذلك ألحق «حسن بن عثمان» بوزارة الثقافة في رئاسة تحرير مجلتها «الحياة الثقافية» وقد كان شرطه الذي تمت الموافقة عليه أن تتحوّل المجلّة من فصلية غير منتظمة الصدور إلى شهرية نابضة بالحياة والنصوص والمتابعات وعاكسة للجدل الأدبي والثقافي وقد تحقّق ذلك في أعداد كثيرة منها رغم الصعوبات التي تفاقمت خصوصا مع تزايد انحسار مساحة الحرية والتعبير في البلاد التونسية.
كان خروج «حسن بن عثمان» مؤلما وجارحا من رئاسة مجلة «الحياة الثقافية» بعدد تمّ حجبه إثر افتتاحية كتبها على سبيل الهجاء لوزير الثقافة والمحافظة على التراث آنذاك «محمد العزيز بن عاشور» ولسياسته وسياسة من عيّنه.
ولم يرد «حسن بن عثمان» لحادثة الحجب أن تكون مادّة للاستثمار من قبل المعارضة السياسية لنظام «بن علي» آنذاك على خلفية موقف بقي يدافع عنه طويلا في اعتبار أن خلافاته كانت مع أشخاص وأفراد في النظام لا مع النظام في ذاته الماسك بشؤون الدولة.
وبحماس من رئيس التحرير المعيّن على رأس جريدة الصحافة في ذلك الوقت «عبد الجليل بوقرة» تمّت دعوته لإعادة تجربة ملحق ثقافي جديد اختار له اسم «ضاد» ولكن ضعف حماس الإدارة العامة وضيق مساحة الحرية في البلاد وحالة الركود الثقافي والفكري والاعلامي كل ذلك لم يسمح لهذه التجربة بتحقيق نجاح يضاهي ما حققه ملحق «ورقات ثقافية». وانتهى ملحق «ضاد» كما انتهى من قبله ورقات ثقافية إلى مقبرة جامعة للنصوص بلا أي تأثير أو صدى.
إنّ أكبر ما يحسب للزميل والصديق «حسن بن عثمان» الذي يغادر الجريدة بعد إحالته على شرف المهنة، جدّيته واستعداده الدائم للتفاعل الإيجابي مع كلّ مشروع ثقافي حقيقي ورفضه الصريح لكل أشكال العمل المبتذلة والارتجالية وقد أدرك بخبرته التي تعود إلى ما قبل 7 نوفمبر حيث عمل في جريدة الرأي وحقائق والمغرب أن المشاريع الجدّية في الثقافة والفكر لم تعد ممكنة في تونس ما جعله يتحمّس للإشراف على بوابة موقع العقلانيين العرب «الأوان» الإلكتروني المموّل من رجل الأعمال اللّيبي «الهوني» والذي كان فضاء استثنائيا صدرت فيه العديد من النصوص والبحوث الفكرية والأدبية الجريئة والعميقة في شتّى شؤون وشجون الثقافة العربية.
وقد تزامن اشرافه على هذا الموقع مع صدور بقية أعماله الروائية وهي «ليلة الليالي» و«الشيخان» و«الرواية الزرقاء» بعد روايته الأولى «بروموسبور» المتوجة بجائزة كومار للرواية في بداية تسعينات القرن الماضي.
لا نريد من هذه الورقة سوى تقديم واجب التحيّة والاعتراف لزميل ومعلّم كبير في تاريخ الصحافة الثقافية التونسية، كاتب مغامر وجريء من خيرة كتّاب القصة والرواية في تونس والعالم العربي، وقد عرفت مجموعته القصصية الأولى أشهر وأوّل محاكمة لكتاب أدبي في القضاء التونسي زمن بورقيبة، و«دينامو» حقيقي من محرّكي الساحة الثقافية في بلادنا وله «كاريزما» القيادة وحماسها ومن أكثرهم قدرة على اجتراح الأفكار والمقترحات الجديدة والطريفة سواء فيما قدّمه للتلفزة من برامج أو ما اقترحه من كتب حوارية صدرت منها حواراته مع توفيق بكار ومحمد الطالبي بالتعاون مع شكري مبخوت والمنصف وناس.
وككلّ المبدعين العصاميين الذين نحتوا مسارهم بجهدهم الشخصي وكفاحهم اليومي فإن لحسن بن عثمان بعضا من مزاجية الكتاب ونرجسيتهم وغرورهم وعنادهم وتقلّباتهم و«تدهوراتهم» وهو في كلّ ذلك مقرّ العزم دائما على أن يكون في قلب الحياة لا على هامشها مهما كان الوضع الذي هو فيه.
للرّجل أخطاء وعثرات يذكرها خصومه ويستلطفها من يحبّه كيفما كانت، ما يضاعف من عناده فيها ولكن كيف لا تكون لأمثاله مثل هذه العثرات والتقديرات ممّن عبروا كلّ هذه الأطوار العصيبة من تاريخ بلادنا (بورقيبة، بن علي والترويكا وحكومات ما بعد الثورة) ومع ذلك فإنّ حسناته وأفضاله أكبر بكثير. ولعلّنا نجد العذر له أحيانا ولعديد الكتاب الآخرين في بلاد وعالم عربي ما تزال الكتابة الأدبية فيه اختيارا شخصيا قاسيا وليست مهنة ومقاما يحفظ له كرامته ومكانته الاجتماعية كما هو الحال في الغرب. فتحية له باسمي وباسم كلّ زملائه ممّن يحملون له التقدير الذي هو جدير به. وأمثال «حسن بن عثمان» لن يتوقفوا عن الكتابة وعن مشاكسة المعاني وإزعاج المطمئنين للرداءة والبلادة في بلادنا فله أعمال جاهزة للنشر كما أفاد بذلك على صفحته الخاصة بالفايسبوك ».
2023 |
"لآ شيء من التشابه يجمعني بتوفيق بن بريك في كتابته ومسيرته وبطولاته، فهو في ساحة اختارها وأنا في ساحة أخرى اخترتها مختلفة تماما، ولا جامع بيننا في الساحة إلا الابتهال بالكتابة والتعبد في معبدها والتعرف على ضميرها ومقدّسها من مدنّسها. ولا ينقصنا الخشوع ونكران الذات وقت الكتابة والإكثار من ذكر سلالة الكتابة وأنسابها كأنها أمنا المشتركة، كأنها ينبوع الوالد والولادة. ينبوع متجدّد في مخاطرة مفتوحة على كل الاحتمالات وكل الحروف والانحرافات. حسن بن عثمان"