بحث

تقرير عرض الشخصية أو البور تريه

يشتمل تقرير عرض الشخصية على مقومات شبيهة بالأشكال الصحفية الأخرى. فهو من ناحية على وجه كبير من الشبه بحديث عرض الشخصية و هو صنف من أصناف الحديث الصحفي يكون فيه المتحدث، الموضوع الرئيسي للقاء و هو المصدر الوحيد عن ذاته. و من ناحية أخرى فهو يشتمل على كل مواصفات التقرير الحي reportage حتى أننا نستطيع أن نقول دون مبالغة أن تقرير عرض الشخصية هو تقرير حي حول شخصية واحدة.





تقرير عرض الشخصية أو البور تريه


وثيقة من إعداد:

د.المهدي الجندوبي



يشتمل تقرير عرض الشخصية على مقومات شبيهة بالأشكال الصحفية الأخرى. فهو من ناحية على وجه كبير من الشبه بحديث عرض الشخصية و هو صنف من أصناف الحديث الصحفي يكون فيه المتحدث، الموضوع الرئيسي للقاء و هو المصدر الوحيد عن ذاته. و من ناحية أخرى فهو يشتمل على كل مواصفات التقرير الحي reportage، حتى أننا نستطيع أن نقول دون مبالغة أن تقرير عرض الشخصية هو تقرير حي حول شخصية واحدة.

و لا تنفرد الصحافة بالاهتمام الذي توليه لاستعراض مراحل حياة الشخصيات العامة، بل إنها تواصل تقليدا قديما مازال مستمرا في الآداب و التاريخ و هي أكثر المجالات الفكرية اهتماما بالسيرة أو البيوغرافيا.


 لماذا تهتم الصحافة بسيرة الشخصيات العامة؟

تعرف السيرة  بأنها نوع من المراجع التي تستعرض سيرة بعض الشخصيات . ففي حين ينبثق التاريخ من رؤية شاملة تدمج ضمن ملاحظتها معلومات اجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها ، فان السيرة  تحكي قصة حياة الفرد وتروى سيرته الشخصية .
و توجد علاقة ثابتة بين الأفراد والمجتمع . فالمجتمع يشكل حياة الأفراد ويكيفها، إلا أن الأفراد أنفسهم يؤثرون أيضا في المجتمع بواسطة أفكارهم وافعالهم .
        
و لهذا السبب تولي الصحافة في كل بلدان العالم أهمية لحياة أشخاص متميزين يمثلون ابرز الشخصيات العامة التي تؤثر في حياة المجتمع . ويمكن أن يكون لهذا الاهتمام بالسيرة الذاتية أهداف عديدة . من ذلك أن الصحافة تريد أن تعرف من خلال هذه السيرة ما يمكن أن يفعله رجال السياسة في المستقبل القريب على ضوء المراحل السابقة و أسلوب تعامله قبل الوصول إلى مسؤولياته الجديدة (دراسة سيرة رئيس جمهورية جديد لاستخراج أهم المحاور الممكنة التي تقوم عليها السياسة التي سيتبعها).

 ويمكن للصحافة أن تحاول فهم الماضي القريب بفضل استغلال سيرة شخصية مـا أو سيرة مجموعة من الشخصيات و تسليط الضوء على جوانب مخفية من حياتهم (سيرة رؤساء توفوا أو ابعدوا عن السلطة) .

وتشكّل السيرة الذاتية أيضا بالنسبة إلى الصحافة وسيلة لتنمية الاهتمام الإنساني والابتعاد عن التحليل الجاف للوقائع الاجتماعية والسياسية علما بان حياة البشر تهم البشر.

و يمكن استغلال السيرة لغرض التعميم و التبسيط وفي هذا الاتجاه قد يتيسر من خلال ترجمة حياة زعيم أو مناضل أو مفكر ما أن نعمم مثلا بعض الأفكار الفلسفية أو غيرها من الأفكار التي دافع عنها .

متى يهتم الإعلام بسيرة الشخصيات؟

تتعدد المناسبات التي تجعل الصحافة تهتم بسيرة الأطراف الفاعلة التي تلعب دورا في الحياة      العامة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : وصول رئيس دولة جديد الى الحكم (أو تنحيته عنه) أو تكوين تشكيلات وزارية جديدة أو تعيين مسؤولين جدد على الصعيد الدولي أو المحلي(رؤساء مؤسسات كبرى ، مديرو إدارات مركزية ، مسؤولون في منظمات أو جمعيات شهيرة أو أحزاب ...).

و الجدير بالذكر أن الشخصيات العامة لا تنتمي كلها الى دنيا السياسة . فهناك الرياضيون (مدربو الفرق المرموقة ، الأبطال ...) والأدباء (بمناسبة حصولهم على جوائز أو صدور احد مؤلفاتهم او عند وفاتهـم ...) والعلماء والعسكريون ورجال الأعمال والفنانون الخ ...
و يمكن أن تتعلق السيرة بأشخاص لا يزالون على قيد الحياة أو توفوا حديثا أو منذ زمن بعيد (احتفالات إحياء الذكرى المتنوعة : مرور أربعين يوما أو الذكرى المئوية أو الألفية لوفاة أو ميلاد شخصية معروفة).

ما هي عناصر السيرة؟

تشتمل كل سيرة على أكثر المعلومات دلالة واتصالا بمختلف مراحل حياة الفرد فيما بين الولادة والموت .يولد الإنسان في أسرة  تنتمي إلى وسط اجتماعي معين. ويمكن لكاتب السير أن يهتم بهذا الوسط العائلي (تكوين الأب ، مهنته ، انتماؤه الديني والسياسي و الجهوى ...) وليست لهذه المعلومات قيمة مطلقة، وإنما تكون ذات مغزى بالنظر الى الشخص موضوع البحث والدولة التي ينتمي إليها والعصر الذي عاش فيه.

و يمثل المستوى الاجتماعي مؤشرا يوليه كتاب السير عناية كبيرة (عائلة معوزة أو ثرية ، متوسطة أو عمالية ، بورجوازية أو تنتمي إلى وسط الموظفين والفنانين والعلماء ...).
        
و تشكل فترة الدراسة أيضا إحدى المراحل التي تطبع حياة الفرد (مختلف المراحل التعليمية وخاصة منها مرحلة التخصص التي تعد الفرد للحياة النشيطة) ويمكن أن تكون هذه الفترة متألقة ، متوسطة أو فاشلة. ويولي كتاب السير أهمية لتأثير بعض المدرسين في الشخصية المعنية. ثم إن مطالعات أعلام الفكر موضع إعجاب الشخص ذات دلالة ، وتعبر عن اختيارات هذا الشخص أو انتسابه الأيديولوجي.

و يجب ألا ننسى أن المدرسة ليست هي وسيلة التكوين الوحيدة ، إذ أن بعض رجال السياسة وغيرهم من الأعلام البارزين عصاميون ، قد كونتهم مطالعاتهم الشخصية وتجاربهم في الحياة .
و تمثل  كتابات الشخصيات من مقالات ورسائل ومذكرات و كتب ، ومراسلات ودية وأطروحات ومحاضرات مصدرا رئيسيا يمكن كاتب السيرة من الاطلاع على الأفكار التي تمثل الأنظومة الفكرية للشخصية. و يحاول كاتب السير الإحاطة بمجموع أفكار الشخص وإعادة إحياء المناخ الثقافي والأيديولوجي الرئيسي للعصر أو للجيل الذي ينتمي إليه الشخص (ابرز المسائل المطروحة والتطابقات والتباينات المسجلة في المواقف ووجهات النظر).

و يتابع كاتب السيرة النشاط العام للشخص، ليتبين إذا كان ينتمي الى فئة المواطنين الدين يمكن اعتبارهم من محترفي السياسة، كأن يهتم كاتب السيرة بأنشطة الشخصية  في صلب المنظمات الشبابية والنقابية ، و انتماءاته الحزبية ، و مشاركاته العسكرية إن وجدت ... ويمكن ان تسجل هذه الأنشطة الاجتماعية في فترة مبكرة أو متأخرة في حياة الشخصية.

و تستأثر الحياة المهنية هي الأخرى باهتمام كبير :المناصب التي تولاها الشخص في مختلف الوزارات و الإدارات والقطاعات التي يعرفها معرفة جيدة ونجاحاته وفشله ، أهم المشروعات التي شارك في إعدادها أو في إنشائها.

و تهم وفاة الشخص كتاب السيرة  من حيث أنها وفاة طبيعية أو ناجمة عن حادث وفي أي سن ؟.و ما هي ردود الفعل بعد هذه الوفاة ( إعجاب بما أنجزه ، انتقادات ...) و ما هي الصورة التي يتركها الفقيد عن نفسه أو التي تصنع له رسميا (بطل وطني ، خائن ...) والتصريحات أو المنشورات التي طبعت بعد وفاته .


المصادر البيوغرافية

و من الطبيعي أن يكون الشخص المعني أول مصدر يفكر فيه الصحفي الدي ينوي كتابة بورتريه في صورة وجوده على قيد الحياة و عدم ممانعته لقاء الصحفي.
و يجب على الصحفي أن يستكمل جمع هذه المعلومات البيوغرافية بصورة غير مباشرة من مصادر حية أخرى على اتصال بالشخصية مثل العائلة والأصدقاء والعلاقات ...

كما يمكنه أن يحصل على معلومات بدراسة مختلف الوثائق المكتوبة مثل المقالات التي نشرها الشخص أو التي كتبت عنه في الصحف، و الأحاديث الصحفية التي أدلى بها و كذلك يمكن الاطلاع على التقارير التي أودعتها الشرطة بالأرشيف ولم تعد تعتبر سرية ...)

و يعتمد الصحافي بالنسبة إلى قسم كبير من السير التي يعدها على مصادر متخصصة في المعلومات البيوغرافية مثل المؤرخين الذين يمكن أن تتضمن كتبهم و دراساتهم تراجم ذاتية لمختلف الشخصيات المؤثرة في الحقب التي يدرسونها.

و تتوفر المعلومات البيوغرافية أيضا في وثائق مختلفة ينبغي على الصحافي أن يتوصل إلى اكتشافها واستغلالها (الموسوعات ، المعاجم البيوغرافية، ملفات قصاصات الصحف بمصالح التوثيق، المواقع الالكترونية و الصفحات الشخصية على شبكة الويب ).


المصدر: د.المهدي الجندوبي، التحرير الصحفي، نشر قسم الإعلام، كلية الآداب، جامعة البحرين، 2010، 133ص.