بحث

بين الصحفي و الخبير


 د.المهدي الجندوبي
عندما نتصفّح الجريدة نجد مواضيع متنوّعة تعالج المسائل السياسية و الاقتصادية و الفنّية و العلميّة و غيرها من المجالات المتخصّصة. و يكلّف الصحافيون في كلّ بلدان العالم بجمع و تحرير القسط الأوفر من هذه النصوص.
يمكن تصنيف الصحفيين اعتمادا على درجة تخصصهم، إلى الأصناف التالية:



 1) صحفيون غير متخصصين و يمثلون الصّنف الأكثر عددا في هيئات التحرير. و تتمثّل خبرتهم، إضافة إلى ما يسمى عادة ب" الثقافة العامة" ، في قدرتهم على جمع المعلومات و تحريرها و يطلب منهم حسب الحاجة كتابة مواضيع سياسية أو اقتصادية او اجتماعية، على أنه يمكن لبعضهم أن يتخصّصوا جزئيا في مسالة من المسائل، كأن يهتموا أكثر من غيرهم و كلّما أتيحت لهم الفرصة بقضايا التعليم أو الاقتصاد أو المسرح و غيرها من المحاور.

2) صحفيون متخصصون و هم صحفيون من الصّنف الأوّل اكتسبوا خبرة في مجال محدّد، بعد سنوات من ممارسة المهنة و من التكوين الشخصي (مطالعة، دورات تدريبية، معاشرة أهل الاختصاص). و لا تتاح هذه الدّرجة من التخصّص إلا إذا مكّن توزيع العمل داخل هيئة التحرير بتكليف كلّ صحفي بمسالة من المسائل فتلتقي الرّغبة الشخصية للصحفي بأهداف المشرفين على سياسة التحرير.
و تختلف درجة التخصص حسب الموارد البشرية المتاحة لكل مؤسسة إذ هناك فرق واضح بين صحفي متخصص في السياسة الخارجية و أخر في شؤون الشرق الأوسط أو بين صحفي متخصص في الثقافة و آخر متخصص في النشر و يتابع الإصدارات الجديدة. فكلّما تحدّد مجال التخصص، كلّما استطاع الصحفي إحكام السّيطرة على يجدّ في هذا المجال.

3) الخبراء الصحفيون الذين ظهروا في المهنة بسبب التعقّد المتزايد للأحداث الوطنية و الدولية التي أصبحت تشترط من كلّ المهتمّين بها، امتلاك معارف أكاديمية و خبرات لا توفّرها الثقافة العامّة أو التكوين الأدبي السّائد عند العديد من الصحفيين و في مؤسسات تكوين الصحافيين.
و تلجأ المؤسسات الصحفية إلى انتداب حاملي شهادات جامعية عليا في تخصصات مثل الشؤون المالية و العلاقات الدولية و العلوم و تكلّفهم بمهام صحفية و تضمن لهم تكوينا صحفيا إضافيا داخل المؤسسة أو في نطاق دورات تدريبية. و لا يمثّل هذا الصّنف نسبة مرتفعة من المهنيين و يكثر عددهم في المجلات المختصة المبسّطة مثل مجلات الاقتصاد و الفلاحة و علم النفس و غيرها التي يكتبها متخصّصون لفئات عريضة من القرّاء غير المتخصّصين.

4) تحرص بعض المؤسسات الصحفية على توفير معلومات مفيدة للقارئ حول مواضيع لا تتسنى معالجتها الاّ من قبل خبراء مثل الباحثين و المهندسين و غيرهم من الكوادر ذات التخصص العالي فتتعاقد مع واحد منهم حسب الموضوع و تطلب منه إعداد نص مبسّط يسلّم في مرحلة ثانية إلى صحفي ماهر قصد إعادة كتابته و إعداده للنشر. و يراجع الخبير نصّه في شكله الجديد قصد التثبّت من سلامة المعلومات التي أخضعها الصحفي لصياغة ثانية. و هكذا تتضافر جهود هذا الثنائي المتكوّن من خبير قادر و صحفي ماهر و قد لا يحتاج بعض الخبراء الذين يتعلّمون قواعد الكتابة الصحفية بعد فترة من التجربة إلى مراجعة النصوص التي ينجزونها للنشر.

يمكن أن يكون هذا التصنيف موضوع نقاش أو تحفّظ و لكنّه يجسّم سعي بعض المؤسسات الصحفية و الصحفيين إلى الرّفع من مهارات كتّاب الجرائد لمواكبة تعقّد مظاهر الحياة العامة و المعارف اللاّزمة لفهم الواقع المتغيّر قصد اكتساب احترام القرّاء. لقد ولّى الوقت الذي يمكن أن يكون فيه الصّحفي متكلّم الصالونات اللّبق فيتحدّث عن التسلّح و عن ديون الدّول النامية و عن العلاقات بين الشرق و الغرب دون أن يكون خبيرا في الشؤون العسكريّة أو المالية أو العلاقات الدولية.
و لكن هذا لا يعني أن تتحوّل صفحات الجرائد إلى الغاز لا يفهمها إلا أهل الاختصاص. هذا هو التحدي الذي تجابهه الصحافة في كل دول العالم،أي أن تكون الموسوعة الشعبية للأحداث الجارية و أن تكون خبيرا يتكلّم لغة كل الناس.

المصدر: د.المهدي الجندوبي، الجزيرة ( يومية سعودية)، عمود مساحة للتفكير، 7 كانون الثاني (جانفي، يناير)، 1990م، العدد6310