بحث

عبد المنعم سعيد: تعليق علي التعليقات (الأهرام 2012)

تعليق علي التعليقات

بقلم: د.عبد المنعم سعيد

الأهرام 8 سبتمبر 2012

كنت أشكو دائما من طبيعة المهنة التي تجعلك تكتب مقالا في صحيفة‏,‏ أو فصلا في كتاب‏,‏ أو تضع كتابا كاملا‏,‏ أو تقول رأيا في برنامج تليفزيوني‏,‏ أو حتي تدير برنامجين كما فعلت خلال فترة من حياتي.

كان واحدا منهما- وراء الأحداث- في قناة حكومية, والآخر في قناة خاصة- مع المعارضة- ومع ذلك فإنك لا تعرف أبدا ما تأثير ذلك كله. أين ذلك من المهندس الذي يشاهد نتاج عمله في نهاية فترة محددة, أو من الطبيب الذي يلمس نتيجة مهنته مع تحسن حال المريض, أو المحاسب الذي تنضبط لديه الموارد والمصروفات في ميزان محسوب. وهكذا الحال في مهن مختلفة. الآن لم يعد الحال كذلك, فأنت تكتب ثم تأتي التعليقات, ويعجبني كثيرا عندما يبدأ القراء في تداول الأمر, وبعضهم يدافعون عن الكاتب من تجاوزات بعض القراء. ولكن هؤلاء لا يزعجونني أبدا لأنهم في النهاية أتوا لقراءة المقال, وكان بمقدورهم الذهاب إلي أعمدة أخري طالما أن ما أكتبه يزعجهم إلي هذا الحد; والأغلب أن حالتهم هي نتيجة طبيعية لفقر الحجة, أو أحيانا عندما يرتج منطق متهافت.

ولكن الذي يزعجني حقا ذلك القارئ الذي لا ينظر فيما هو معروض عليه وإنما يبحث عن النية في تأويل النص. فإذا ذكرت أمرا طيبا عن الرئيس مرسي فلا بد أن ذلك يعود إلي رغبة في العودة إلي السلطة ومن ثم فإن النفاق هو آفة متمكنة لا يمكن الخلاص منها. أما إذا قمت بانتقاد الرئيس مرسي أو حزب الحرية والعدالة فهناك تهمة أنه لم تكن هناك شجاعة في نقد النظام القديم بنفس الطريقة; فإذا قدمت قائمة بالكتابات والأحاديث التي انتقدت بها السلطة السابقة, جاءك التعليق فورا لماذا لم تستقل طالما لم يسمع أحد نصائحك. المسألة هي أنك محاصر في كل الأحوال, ولو استقال الكاتب أو المفكر أو المحلل من مهنته فماذا يفعل بعدها, وهل يمكن للطبيب أن يترك مستشفي لأن الأمراض باتت كثيرة؟

بالطبع فإنك لا تعرف ماذا كان يفعل المعلق في الأزمنة السابقة, وعما إذا كان اعتراضه علي الأوضاع مماثلا لكثير من الصامتين في المجلس الأعلي للسياسات ثم صاروا بعدها ثوارا ووزراء, وحتي رؤساء لمجلس الوزراء, فضلا عن إدارة صحف ومحافظات, بل ومستشارين لرئيس الجمهورية. الخط المستقيم دائما في المهنة هو الأبقي, وهو الأسرع في الوصول إلي الحقيقة, وطالما أن هناك قراء يأتون ويقرأون ويعلقون بوسائل متعددة فلابد أن في الأمر خيرا من نوع ما.

amsaeed@ahram.org.eg