"دعني أحدّثك عن أول عهدي، أو بالأحرى عن عهدي الأول في الصحافة، في ظل أبي، كنت في صف الباكالوريا، ولم أكن أفضل التلاميذ، لشغفي في آن واحد بالإضرابات وبالشعر...و ذات مرّة سالت والدي إذا كان في وسعي "النزول الى الجريدة لأتمرّن"، فوافق و قال أنه ينتظرني صباح الغد في المكتب. (...)
غسّان تؤيني: كتابة خبر بسيط، قبل مقال "يهزّ أركان الحكم" (...)"دعني أحدّثك عن
أول عهدي، أو بالأحرى عن عهدي الأول في الصحافة، في ظل أبي، كنت في صف
الباكالوريا، ولم أكن أفضل التلاميذ، لشغفي في آن واحد بالإضرابات وبالشعر...و
ذات مرّة سالت والدي إذا كان في وسعي "النزول الى الجريدة لأتمرّن"،
فوافق و قال أنه ينتظرني صباح الغد في المكتب. (...)
دخلت عليه وهو يقرأ الصحف ويدخّن
النارجيلة، وأعطيته بيد ترتجف أوراقا مطوية بترتيب، كنت صرفت الليل في تحبيرها. وبالكاد ابتسم وهو يسأل: "ما
هذه؟" قلت: "مقالة
عن..." ولم أكمّل جملتي، وهلع قلبي
على الأوراق يمزّقها، من غير قراءة ويرميها في سلّة المهملات!
وقبل أن يتسنى لي سؤاله
لماذا؟ كان يدعو لويس الحاج ويقول له: "هذا غسان يريد أن يصبح
صحفيا...ولكنه مستعجل على الكتابة! دبّر له كرسيا وليصحح البروفات، حتى إذا أتقن
ذلك، تنقله الى قسم الحوادث و "المتفرقات"، ثم ربما بعد ذلك،
"المحليات"، أو الأخبار الخارجية...وبعد ذلك نرى اذا كان "ينفع"
و لأي باب و هل نستكتبه شيئا".
هذه القصّة، رويتها ربما لمئات
المحررين، خصوصا أبناء أصدقاء جاؤوا ليشتغلوا صحافيين معي (...) فحاولت أفهمهم
أن الصحافة تبدأ بالقرب من المطبعة، حيث تصحّح البروفات، و أن الذي لن يتعلم
هناك كيف يكتب خبرا متواضعا، لن يكتب مقالا "يهزّ أركان الحكم"! وقد أدّى حديثي الى عزوف
كثيرين عن المهنة..."
|
المصدر: غسّان تويني، سرّ المهنة و أسرار أخرى، دار النهار للنشر، بيروت، 1995.
كتاب ذكريات غسان تويني، مدير الجريدة اليومية
النهار، اللبنانية التي أسسها والده جبران التويني