المصدر: تفاصيل، بيرم للنشر، تونس 1989.
المذيع الذي مزّق أوراق النشرة الإخبارية، في
مثل هذا الفصل من العام الميت، أمام سبعون مليون مشاهد نيجيري، بماقي ذلك رئيس الدولة،
وحرمه، وفرق التدخّل السريع، وصاح بأعلى صوته، وكأنه يصارع نمرا فارا لتوّه من
إحدى حدائق الحيوان:
"لا أستطيع قراءة الكذب"
"وعلى الحكومة أن تقرأ كذبها، بنفسها
إذا أرادت".
هذا المذيع الأسمر،
ذو الشجاعة الأسطورية،
الضمير المهني الشاذ،
يستحق أن يكتب اسمه بماء الذهب على قائمة
الأنبياء العاديين، هؤلاء الذين يدخلون التاريخ بكلمة واحدة.
ويقادون إلى المقابر بكلمة واحدة.
ويكلف الجيش بحراسة قبورهم، خوفا من أن يقول
الجن -على لسانهم- كلمة واحدة! إنه اللّحظة الفاصلة بين وظيفتين:
القوّاد والصحفي.
و ما بين راتبين:
راتب يتضاعف بتضاعف نسبة الكذب،
وراتب يتضاءل كلما تضاعفت الحقيقة.
...اللحظة التي يحسّ فيها كل طفل بأنه أدفع
أخلاقا من الدولة، وأنه يستحقّ حكّاما يتحلّون بفضيلة واحدة، غير حمل مذيعهم على
تلاوة الكذب، ومواطنيهم على تصديقه، دون شك أو مساءلة،
انه...
ولا مانع عندي من أن يضيف القارئ ما طاب له
من النعوت، تكريما لهذا الرجل النيجيري، الذي ذكّرنا بأن علاقة المواطن الافريقي
بتلفازه، ليست في النهاية سوى، علاقة مستهلك الكذب بمنتجه.
أو بعبارة أقل تطرّفا:
انها أولى رسالة واقعية منذ صار بإمكان القرد
أن يصبح انسانا، وبإمكان الانسان أن يكون نبيا...
وبإمكان النبي أن يصعد الى السماء بدون محرّك
بخاري.
كل الرسالات قبلها كانت ميتافيزيقية إلى حد
إهانة العقل ولأنها كذلك،
فإنها جديرة أن نؤمن بها إيمان العجائز،
فقط...
ولكي نكون من مواطني الجنّة...علينا أن نقوم
بالفريضة التالية:
عندما يطلّ مذيع على الشاشة، ويهدّد بافتتاح
نشرته الإخبارية...
نستأذن.
ونسرع باتجاه الحمام!
المصدر: تفاصيل، بيرم للنشر، تونس 1989.
نشر نقوش عربية، 2018 |