بحث

علي العايدي بن منصور: وسائل الاعلام التونسية، أية مصداقية؟

واحد من إثنين من التونسيين يديرون الظهر كل مساء للقناة التلفزية الوطنية، 250 ألف نسخة تطبع يوميا لمجموع كل الجرائد في بلد يعد 8 ملايين نسمة، أرقام مذهلة تدفع للتساؤل، لماذا هذا النقص في المصداقية؟ وهل نحن الصحفيون ورجال الميديا على وعي بهذا المشكل؟ 


  

وسائل الاعلام التونسية، أية مصداقية؟


واحد من إثنين من التونسيين يديرون الظهر كل مساء للقناة التلفزية الوطنية، 250 ألف نسخة تطبع يوميا لمجموع كل الجرائد في بلد يعد 8 ملايين نسمة، أرقام مذهلة تدفع للتساؤل، لماذا هذا النقص في المصداقية؟ وهل نحن الصحفيون ورجال الميديا على وعي بهذا المشكل؟

 

الجدل الذي لا ينقطع والذي لا يمكن تجنّبه ولا التقليل من أهميته، حول الحريات الصحفية والقوانين التي تدير الاعلام، لا يكفي وحده للإحاطة بكل الملف.

 

فعلا يشكو الاعلام في تونس من نقص فادح للمصداقية ومن عدم تطابق مفضوح بين الخطاب الإعلامي والجمهور الذي نفترض الوصول اليه. وطبيعي أن تتصدّر الإذاعة والتلفزة بحكم اتساع رقعة انتشارها، قائمة المؤسسات التي تشكو عزوف الناس، حتى أننا أصبحنا نردد في تونس أن "أخبار الناس عند الناس وأخبار السلطة في التلفزة".

 

شريط الأنباء والنشرات الإخبارية كما بقية البرامج الإخبارية باستثناء بعض الحالات النادرة، تنتمي الى زمن مضى ولا مضمونها و لا لغتها و لا تقنياتها تحظى برضاء المشاهدين. ورغم بعض المحاولات التي تستحق الثناء فإن الرتابة التقليدية لأخبار خاوية المعني حول النشاطات الرسمية والمقاطع المطوّلة والغامضة والمنفّرة هي السائدة. وعندما نشاهد الأخبار التلفزية ونستمع الى النشرات الاذاعية، فأننا نتساءل هل فعلا نعيش في نفس البلد؟

 

مشكلة عدم التواصل شبه الكامل بين "البلد الحقيقي" ووسائل الاعلام السمعي البصري، يشمل أيضا البرامج غير الإخبارية، و لا يقع على حدّ علمنا اللجوء بصفة منتظمة، الى دراسات الجمهور لمعرفة موقف الجمهور مما يعرض عليه من برامج مصرية سطحية، و ما يقع بثّه ضمن شبكات البرمجة الى حد السخافة.

وحسب دراسة أنجزها مكتب دراسات Prospectives Sociales، أن 45,5% من التونسيين لا يشاهدون التلفزة الوطنية، أي أن حوالي واحد من اثنين من التونسيين يدير الظهر للقناة الوطنية، فهل نحن مدركون لخطورة هذه الوضعية؟ فحتى على المستوى السياسي يتحتم طرح هذا المشكل. فإذا كان نصف التونسيين لا تصلهم رسالة التلفزة، وذلك بقطع النظر عن مدى رضاهم، فلمن تتوجه التلفزة إذا؟ وما هي قيمة هذه الرسالة الإعلامية إذا كانت لا تصل هذه الشريحة العريضة من الجمهور؟

الوضع ليس أفضل من جهة الصحافة المكتوبة.

نحن أمام وضعية تستحق حوارا جادا وإصلاحات عميقة. فتركيبة الرأي العام الوطني تغيّرت ولم تعد اتجاهات الرأي العام لا موحّدة ولا سهلة الفهم ويرى الخبراء أن مكوّنات الرأي العام تسودها ثلاثة اتجاهات.

 

المكوّن الأول هو هذه الشريحة من المواطنين التي تحظى عادة بمستوى عال من التعليم و إطارات متوسّطة أو عليا، و هي منقطعة بطريقة شبه تامّة عن الرسائل الاعلامية لبلدها، و هي تتابع الاخبار من مصادر خارجية. المفارقة أن هذه الشريحة هي التي تمسك بالمواقع القيادية في الادارة و في المؤسسات و نستغرب بعد ذلك لماذا لا تصل الرسالة و لماذا تخفق كل مبادرة إصلاحية؟

 

الشريحة الثانية للرأي العام متكوّنة من شريحة ذات مستوى تعليمي محدود أو هي من ضمن الأميين كما تتميز عادة بمستوى دخل محدود، و هي عادة متقبلة للخطاب الرسمي، و لكنها ذات وزن يكاد لا يحسب عند أصحاب القرار السياسي و الاقتصادي.

والشريحة الثالثة تحتل مرتبة وسطى بين القطبين السابقين وهي أيضا غير معنية بخطاب اعلامي يندر أن يقرأ حساب لمشاغلها ولانتظاراتها.

 

تدني نسبة الرضى والعدد المنخفض للجرائد الذي لا يتجاوز 250 ألف نسخة تطبع، تزيد تأكيدا على وجود مشكلة مصداقية وترسّخ اعتقاد التونسيين أنهم لا يملكون الصحافة التي يستحقونها.

 

المصدر: علي العايدي بن منصور، Réalités، عدد 368،9915 أكتوبر 1992، ص : 16.ترجمة المهدي الجندوبي 2023.