جلال الدين الحمامصي، القربة المقطوعة، دار الشروق، الطبعة الثانية، القاهرة، 286 ص.
جاء في مدخل الكتاب:
(...)«و كنت خلال الفترة التي بدأت فيها الصحافة ممارسة حرياتها بعد رفع الرقابة الرسمية عنها، أقوم بتدريس مادة الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة. وعلى اتصال يومي بطلاب الكلية في مختلف سنوات الدراسة. ومعظمهم -إن لم يكن كلهم- لا يفهمون معنى الحرية الصحفية. ذلك أنهم نشأوا في ظل صحافة الرأي الواحد. والكاتب الواحد. ولا يتبصرون أن في قدرة الصحفي أو الصحافة محاسبة الوزير أو رئيس الوزراء أو توجيه نقد إليه.
بل أذكر أني في مطلع كل عام دراسي أبدأ لقائي مع طلاب السنة الأولى القادمين من المدارس الثانوية، بمحاضرة عن تحديد للعناصر التي يتحتم توافرها أو توافر بعضها في النبأ بحيث يصبح صالحا للنشر. ومن هذه العناصر أن يكون فيه الجديد الذي يهم الجماهير. أو يمس حياتهم أو حياة قطاع من الرأي العام أو يتضمن صداما. أو أن يكون غريبا. ثم كنت أطرح عليهم مثلا لتحليله والبحث عن العنصر الذي أجاز للنبأ حق النشر. وفي كل عام كنت أحصل من الطلبة على جواب واحد. وكان الجواب خاطئا مائة في المائة.
وكان هذا المثل يقول:
«وجّه أحد أعضاء مجلس الشعب سؤالا إلى وزير الزراعة يتعلق باستخدام مبيدات حشرية تسببت في وفاة أربعة من العمال الزراعيين. وعقب الإجابة التي أدلى بها الوزير قام عضو المجلس بالتعليق على إجابة الوزير فقال إنها غير مقنعة. وجرت مناقشة بين الطرفين انتهت بأن قال عضو المجلس إنه سيحوّل سؤاله إلى استجواب لأن الورير مسؤول و تجب محاسبته».
وكنت أسأل الطلبة: «ما هو العنصر الهام الذي يتضمّنه هذا النبأ؟» وكان الطلاب يسارعون إلى رفع أيديهم للإجابة على السؤال وكانت إجابتهم جميعا بلا استثناء تجمع على أنه "عنصر الغرابة".
وأعود لأسأل الطلاب وأين هو موقع عنصر الغرابة في النبأ؟ وتأتي الإجابة الإجماعية: "كيف يجوز لعضو المجلس انتقاد الوزير أو اتهامه بارتكاب خطا"
وكان ذلك كله قبل رفع الرقابة عن الصحف. وكنت أجد صعوبة في إقناع الطلاب بأن محاسبة الوزير ومن هو أكبر من الوزير جائزة. »
(…)
ظهر غلاف القربة المقطوعة |
ملاحظة:
عبارة "النفخ في قربة مقطوعة" تدل في مصر على الجهود الضائعة لأن ما نريد إصلاحه لا يصلح.