بحث

صحفيون كتاب من تونس

يضيق أحيانا المقال الصحفي فيتوجّه الصحفيون إلى نشر الكتب. وكأن حجم المقال وارتباطه بالآنية وسيف اهتمامات القراء وميلهم في الغالب إلى "المواضيع الخفيفة"، لا يسمح بالقدر الكافي للصحفي لتناول ما يراه مناسبا وبالأسلوب الذي يرتاح إليه أكثر.

دخلت منذ مدّة هذه "المغامرة" التي تتمثل في تجميع كل الكتب التي ساهم بها الصحفي التونسي في دينامية نشر الكتب، بفكرة مسبقة تبين لي خطؤها وهي أن الصحفيين في تونس على عكس بلاد المشرق العربي والبلدان الغربية، نادرا ما ينشرون الكتب، وفعلا القائمة التي تلي وهي لا تحصي سوى جزءا من الكتب من هذا الصنف، كانت بالنسبة لي مفاجئة ممتعة.

ما هي أهم أصناف الكتب التي نشرها الصحفيون في تونس؟

أغلب الكتب هي محاولات أدبية فيها الشعر والرواية وكأن الصحفي بعد نضج تجربته الإخبارية يريد خوض أنماط الكتابة الإبداعية. ومن الطريف أن أول القرن العشرين خاض الأدباء الشبان التجربة الصحفية كبديل للنشر في شكل كتاب الذي يخضع آنذاك للعديد من الصعوبات، وخصّص الدكتور جعفر ماجد من كلية الآداب أطروحته، لدراسة الأدب التونسي في الجرائد في النصف الأول من القرن العشرين (1980)، أما نهاية القرن فكأنها شهدت حركة عكسية تتمثل في نوجّه بعض الصحفيين بعد تجربة صحفية، إلى تجربة أدبية (نورالدين بالطيب من جريدة الشروق اليومية التونسية،صالح الحاجة عمل طويلا في جريدة الصباح اليومية وأسس جريدة الصريح، منصف بن مراد مؤسس مجلة ريالتي، طاهر الفازع الذي حذق فن البورتريه الاجتماعي وانفتح على كتابة سينتريوهات المسلسلات، سفيان بن فرحات الذي عمل فترة طويلة في جريدة لابريس التونسية، على سبيل الذكر وغيرهم).

ولا أتحدّث عن الصافي سعيد وحسن بن عثمان وتوفيق بن بريك لأنهم أدباء بالفطرة رمتهم الأحداث في دنيا الصحافة، ويصحّ فيهم مصطلح الأديب الصحفي وكأنهم مواصلة لتجربة عرفتها الصحافة التونسية مطلع القرن، حتى وان كان الصافي سعيد درس الصحافة في الجزائر في بداية مشواره.


الصنف الثاني من الكتب هي ظاهرة إعادة نشر بعض المقالات الصحفية، وكأن الصحفي يريد أن يعطي لنصوصه حياة ثانية. وتستحق هذه الظاهرة كل التشجيع والانتباه لأنها تسمح بإخراج الأثر الصحفي من متاهات النسيان، وحتى أن سمحت رقمنة الصحف والمقالات القديمة بإرجاعها نسبيا، إلى قؤائم محركات البحُث (عبد الحميد القماطي أعاد نشر سنة 2008 البورتريهات الاجتماعية بالفرنسية التي اشتهر بها في جريدة لابريس، الطاهر الفازع أعاد نشر جزءا من أعمدته في جريدة تونس هبدو، وأشرف الباحث محمد الماي بدعم وزارة الثقافة، على نشر الأعمال الكاملة للصحفي والناقد أحمد حاذق العرف في 3 مجلدات(2018)، وجمع محمد العروسي بن صالح، بعض أعمدة ومقالات الصحفي محمد القلبي تحت عنوان "حربوشة محمد قلبي" وهو اسم العمود الذي اشتهر به في مجلة الشعب في السبعينات من القرن عشرين، نشر الاتحاد العام التونسي للشغل (2017). كما نشرت دار نيرفانا Nirvana للنشر مقالات هشام سكيك وعبد الحميد بن مصطفى، وهما مناضلان من الحزب الشيوعي PCT تقاطعت حياتهما بالصحافة المناضلة والمعارضة وبصفة أخص الطريق الجديد، وتحملا مسؤوليات عليا في الحزب الشيوعي التونسي، وكل هذه المراجع نبذة على سبيل الذكر لا الحصر).



كتب تعيد نشر مقالات الصحفيين التونسيين


ويغلب على هذا الصنف من الكتب، إعادة نشر مقالات الرأي والحوارات أو المقابلات الصحفية خاصة إذا كان الحوار مع شخصيات فكرية وأدبية أو وجوه من الحياة العامة كانت في بداياتها، حين استجوابها وبيّن تطوّر الأحداث لاحقا الدور الذي ستلعبه إعلاميا وسياسيا، سنوات بعد نشر الحوار في أول صيغتها. وكأن شكل الرأي و الحوار ضمن بقية الأشكال الصحفية هما الشكلان الأكثر تحديا للزمن والأقل تقادما.

الصنف الثالث والأقل حضورا نسبيا في عادات النشر في الوسط الصحفي التونسي، هو كتاب المذكرات حيث يسرد الصحفي مغامرته المهنية منها ذكرا لا حصرا، كتاب "العسل المر"(2007)، لعبد الجليل دمق رئيس تحرير جريدة الصباح، ومحمد كريشان "كريشان يروي وإليكم التفاصيل" (2021)،وصالح الحاجة "لعنة الصحافة"(2023) وماهر عبد الرحمان حول تجربته كمذيع في الإذاعة الوطنية وتجربته مع محطات دولية(2015)، ومحمد مأمون العباسي حول تجربته في وكالة تونس افريقيا للأنباء(2024).

الصنف الرابع وهو نادر في تونس هو ما يعرف دوليا بالكتاب الإخباري News book يأتي عادة في شكل تحقيق أوملف حول موضوع آني، لكنه يأخذ حجم كتاب ويسمح بالتوسّع بالقدر المناسب. ومن أشهر التجارب العربية في هذا المجال بعض كتب حسنين هيكل، التي يصحّ عليها القول المقال الكتاب.

وفي حدود إطلاعي ذهب محمد الكيلاني وهو صحفي رياضي، في هذا الاتجاه في كتابه حول ذاكرة الرياضة في تونس (1998). كما نشر الصحفي الهادي يحمد "تحت راية العقاب كنت في الرقة سلفيون جهاديون تونسيون »(2015).

ومن أكثر المهارات الصحفية التي تجد متنفّسا واسعا في الكتاب هي تقنيات الحوار، فنشر بعض الصحفيين مقابلات صحفية مطوّلة مع شخصيات عامة في حجم كتاب، ومنهم في تونس نورة البرصالي التي حاورت الوزير التونسي السابق أحمد بن صالح (2008)، وحسن بن عثمان الذي حاور الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي توفيق بكار (1989)، والمؤرّخ محمد الطالبي (2016).

كما أن شكل البروفال المعروف عند الصحفيين لتقديم إضاءة حول شخصية مرتبطة بالأحداث الآنية، شدّ اهتمام بعض الصحفيين الذين نشروا كتبا مخصصة لسيرة شخصية عامة، نذكر منها كتاب محمد الكيلاني حول مدرّب الفريق الوطني عبد المجيد الشتالي(2022)، وكتاب نور الدين بالطيب "محمد كدوس ذاكرة المسرح التونسي"(2023)، كما نشر رشيد خشانة كتابا حول سيرة الوزير المعارض حسيب بن عمّاّر (2020) وآخر خصصه لسيرة المعارضة التونسية مية الجريبي (2021) .


ملاحظة: كل الأسماء وعناوين الكتب التي ذكرت لا يمكنها أن تعكس بأمانة، واقع التجربة التونسية في هذا المجال ووردت على سبيل الذكر لا الحصر، لتجسيم الفكرة وإعطاء مؤشرات تسمح بتصنيف كتب الصحفيين في تونس.