أزمة الإعلام
جريدة المغرب اليومية (تونس) الإثنين 4 أبريل 2016
حين تصبح الحياة السياسية كبركة راكدة لا حياة فيها تنبعث منها الروائح الكريهة.. حين يخفت بريق العمل السياسى فلا أفكار ولا مبادرات ولا مناظرات مثرية للفكر.. حين تعمّ البذاءة والركاكة والبلادة الحوارات السياسية.. حين يصيب العقم المشهد السياسى ويتحول الفاعلون السياسيون إلى شخصيات فاقدة للجاذبية مفتقرة للكاريزما.. حينها يغدو رصد الأخبار المثيرة للاستغراب والمعبرة عن الهجانة الخبز اليومى لعدد من الإعلاميين الذين باتوا يقتاتون على ما يتداول فى مواقع التواصل الاجتماعى من مواد.
حين تهمش البرامج الثقافية ولا يكترث بالمنابر الفكرية ولا تقدر الإنتاجات العلمية.. حين يستهزئ أشباه الصحافيين والمتطفلين على القطاع الإعلامى بالقامات المعرفية والمبدعين فى عديد المجالات.. حينها يتمأسس الجهل وتنقلب المعايير والقيم رأسا على عقب.
ولكن ما الذى يجعل هذا اللفيف من الإعلاميين ينفرون من صحافة الاستقصاء والتمحيص فى الأخبار الطريفة والبحث عن المواضيع الجريئة والإعداد الجدى للبرامج إطلاعا وتنقيبا ويصبحون فى المقابل عوالين على ما ينشر من معلومات على صفحات الفايسبوك متخذين بعض الأحداث مدارا للنقاش والتحليل؟ ما الذى يدفع أهل «الإعلام التقليدى إن كان عموميا أو خاصا، إلى الاعتماد على ما يروج من أخبار فيها الغث والسمين، الابتذال والتعميم، الجيد والتافه...؟
لا مراء أنّ ما استحوذ على اهتمام الإعلاميين خلال السنوات الفارطة هو المجال السياسى حتى باتت السياسة فى المركز على حساب مجالات أخرى همّشت كالثقافة وغيرها. وهذا التركيز على المجال السياسى مفهوم بحكم وفرة الأحداث ووجود دينامكية كبرى ناجمة عن الجدل بين مختلف الفاعلين السياسيين لاسيما فى زمن الأزمات. ولكن شيئا فشيئا أصاب «الاهتراء» الشخصيات السياسية فباتت خطاباتها متوقعة لا جديد فيها وأضحت ردود أفعالها معلومة وكلامها مجترا ومحفوظا عن ظهر قلب وهكذا فقدت جاذبيتها وما عادت تثير الرأى العام وتحقق أعلى نسب المشاهدة، ونجم عن هذا الفراغ بحث الإعلاميين عن البدائل فهل وفق هؤلاء؟
***
1966 |
يمكنّنا رصد مختلف البرامج الإذاعية والتلفزية وعدد من المقالات المنشورة فى المواقع أو الصحف والجرائد من تبيّن المأزق الذى يمرّ به القطاع الإعلامى بعد حصول هذا الفراغ أو الشح أو ندرة الأخبار المثيرة للجدل فى المجال السياسى. فلجوء أغلب الإعلاميين إلى المواقع الاجتماعية لاستقاء المادة الإخبارية مخبر عن حالة من الكسل والرتابة التى تدفع باتجاه تناسل جيل من الموظفين الذين يمتهنون الإعلام كما أنّ التأثر بلغة التواصل فى المواقع الاجتماعية وأساليب التفاعل جعل فئة من الإعلاميين يخلطون بين الشجاعة والجرأة فى طرح الأسئلة وأساليب التعبئة والاستفزاز والتطاول على الشخصيات المحاورة بدعوى تحرير المشهد السياسى من المعايير التى تكرس استعلاء السياسى على غيره من المواطنين.
وعلاوة على ذلك انخرط عدد من الإعلاميين فى الصراع الأيديولوجى فباتوا أبواقا تسبح باسم حزب النهضة باعتباره صاحب سلطة فعلية فلا عجب أن كفروا هذا أو تهجموا على هذه أو أبدوا كرها للنساء فكل الأساليب تجوز من أجل تحقيق الغنم. ولم يتوقف بيع الذمم عند هذا الحدّ إذ مال عدد من الإعلاميين إلى تحقيق الربح المادى بأيسر الطرق فتورطوا فى تبييض الإرهاب وإسدال الحجاب على قضايا الفساد.. ولا غرابة فى ذلك فحين يلتقى الثلاثى: المال والسياسة والإعلام يعمّ الخراب.
وبالرغم من قتامة المشهد الإعلامى وغياب الرؤية وانعدام التوافق حول الإصلاح الهيكلى للمؤسسات الإعلامية فإنّ محاولات عدد من الإعلاميين الارتقاء بالقطاع متجددة؛ ذلك أنّ النضال من أجل حرية التعبير يتوازى لدى هؤلاء مع النضال من أجل تطوير أداء الإعلاميين. وليس فضح عدد من الإعلاميين لممارسات كرسها زملاؤهم واستياؤهم من الرداءة والاستخفاف بالجمهور إلا علامة صحية دالة على وجود إرادة حقيقية لدى البعض للمقاومة والتغيير فهل هى إرهاصات ثورة داخل القطاع الإعلامى؟
امال قرامى امال قرامى
أستاذة بالجامعة التونسية
2017 |