بحث

الوكالات الدولية : وطنية المنشأ و دولية بحكم مراسليها و مشتركيها


بعد أن استقر الوضع المتمثل في هيمنة 5 وكالات دولية على سوق الأخبار الدولية طوال عدة عقود من القرن العشرين عرفت نهاية القرن تعزيزا أكثر للأحتكار و تضييقا لعدد الوكالات الدولية لآسباب سياسة و مالية اخرجت وكالة تاس السوفيتية و وكالة upi الأمريكية من سوق الأخبار الدولية التي اصبحت تحتكرها فعليا 3 وكالات فقط.



الوكالات الدولية : وطنية المنشأ
و دولية بحكم مراسليها و مشتركيها




وثيقة من إعداد:

د.المهدي الجندوبي


يمكن اختزال تاريخ الوكالات في ثلاث حقب نستعرض أهم ملامحها:

الحقبة الأولى تمتد من فترة نشأة الوكالات في منتصف القرن التاسع عشر الى الحرب العالمية الثانية 1939/1944:
شهدت الحقبة الأولى نشأة الوكالات لأول مرة في العالم كشكل مبتكر للعمل الصحفي يختلف عن النمط المعهود منذ انتشار تقنيات الطباعة الحديثة في اوربا و المتمثل في إصدار جرائد و مجلات.
و مثلما انتشرت الصحافة المكتوبة بعد تطور تقنيات الطباعة فأن الوكالات ستعرف توسعا في نشاطها بعد اختراع التلغراف الذي سيمثل تقنية الاتصال الرئيسية التي اعتمدتها الوكالات لنقل الأخبار إلى نهاية القرن العشرين الذي سيشهد تطور تقنية نقل المعطيات عبر أنظمة الحاسب و هي تقنية ستعتمدها الوكالات كبديل للتلغراف.

نشأت وكالة هافاس الفرنسية تحمل اسم صاحبها شارل لوي هافاس سنة 1835 تقدم خدمة إعلامية جديدة قوامها أن المعلومة سلعة يحتاجها التجار لمعرفة أحوال السوق و القادة السياسيون إضافة الى الجرائد شريطة أن تكون دقيقة و سريعة و محايدة. و جمع هافاس بين النشاط الإعلامي و النشاط الإعلاني و مكنته المداخيل المتأتية من الإعلان من تمويل العمل الإعلامي.
و كان من بين فريق المتعاونين صحفيين من أصل ألماني برنهارت وولف و بول جوليوس رويتر
الدان سينفصلان في مرحلة لاحقة و سيؤسسان كل واحد من جهته وكالة وولف في ألمانيا سنة 1850
ووكالة رويتر في انجلترا  سنة 1851.

في نفس الفترة نشأت سنة 1865 وكالة الأسوسيتد برس برغبة من مجموعة من 7 جرائد تصدر في مدينة نيويورك كان بينها تعاون انطلق سنة 1848 و تمثل في المشاركة في نفقات اقتناء زوارق سريعة تستبق وصول البواخر القادمة من اروبا الى الميناء و تحصل على الجرائد من هده البواخر و هي مازالت في عرض البحر و تعود بها الى نيويورك حيث تترجم و تعتمد كمصدر لإخبار يعاد توزيعها لصالح الجرائد السبع دون غيرها فتصدر هده الجرائد باخبار جديدة لا تعلم بها الجرائد المنافسة الأخرى.

ما هي سمات هده المرحلة :

تواضع الإمكانيات فالوكالات لم تنطلق بموارد مالية و بشرية مرتفعة و أحدت في الغالب شكل مكاتب إخبارية و لكنها ستعرف تطورا في السنوات اللاحقة يحولها الى طرف رئيسي في سوق الأخبار على المستوى المحلى و الدولي.

فكرة مبتكرة لنشاط اعلامي جديد غير معهود يستجيب الى حاجة فعلية بدأت تنشأ في المجتمع و كان الآباء المؤسسون للوكالات مثل هافاس و وولف و رويتر أول من فهموا هده الحاجة الناشئة و استجابوا إليها.

باستثناء وكالة اسوشيتد برس الأمريكية والتي سيقتصر نشاطها في هده الحقبة على المستوى المحلي فأن الوكالات المتبقية نشأت في اروبا و ستعرف تطورا ملحوظا يمكنها من السيطرة الحقيقية على سوق الأخبار داخل أوطانها وسيتنامى نشاطها على المستوى الدولي لتمثل الثلاث وكالات الدولية الوحيدة في هده الحقبة الأولى من تاريخ الوكالات التي يمكن أن نصفها بالحقبة الأوربية.

بعد فترة من المنافسة فهمت الوكالات الأوربية الثلاث بسرعة ما يمكن ان تجنيه من التعاون و تمكنت من وضع نظام احتكار مقنن يمكن الوكالات الأروبية من التحكم دون غيرها في إنتاج و توزيع الأخبار على المستويين المحلي و الدولي. و فتحت مناقشات في ما بينها أدت سنة 1869 الى تقسيم السوق الدولية للأخبار عن طريق اتفاق تعاون يحدد مناطق نفوذ إعلامي تترك حرية التحرك فيه لوكالة واحدة تستأثر بالتغطية الصحفية لحسابها الخاص و تلتزم بتبادل المعلومات مع الوكالتين المتبقيتين. و بموجب هدا الاتفاق تم تقسيم مناطق العالم بالطريقة التالية:

رويترز تستأثر بالتغطية في بريطانيا و الولايات المتحدة و المستعمرات البريطانية في الشرق الأقصى

وكالة وولف  تستأثر بالتغطية في ألمانيا و بروسيا و روسيا و البلدان الاسكندينافية في شمال ارويا

الوكالة الفرنسية تستأثر بالتغطية في فرنسا و مستعمراتها الأفريقية و ايطاليا و اسبانيا

و بعد فترة إقصاء انضمت وكالة السوشيتد برس سنة 1893 الى هدا الاتفاق بقيود مجحفة تسمح لها بتوزيع خدمة رويترز الدولية في السوق الأمريكية و تحتفظ رويترز لنفسها بحق توزيع أخبار أمريكا في بقية بلدان العالم.



الحقبة الثانية تمتد من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1991 سنة تفكك الاتحاد السوفيتي:

بعد أن احتكرت سوق الأخبار الدولية ثلاث وكالات اروبية على طوال قرن تقريبا يمتد من النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى النصف الأول من القرن العشرين ستشهد سوق الأخبار الدولية تحولات جذرية تتمثل في خروج وكالة وولف من الساحة و دخول إطراف جديدة ممثلة في وكالتين أمريكيتين و ووكالة سوفيتية.
و هكذا ستتسع رقعة الأطراف الرئيسية الفاعلة عدديا أد ينتقل عدد الوكالات الدولية من 3 الى 5 و نوعيا اد سيقع وضع حد لاحتكار دول اروبا الغربية و دلك بمشاركة فاعلة لوكالات ظلت مهمشة مثل الوكالات الأمريكية و الوكالة الروسية.و سيشهد الثلث الأخير من القرن العشرين نشأة و تنامي عدد وكالات تنتمي الى العالم الثالث دون أن يكون لها دور يذكر على مستوى سوق الأخبار الدولية.

ما هي أهم سمات هده الحقبة؟

غياب وكالة وولف من الساحة الدولية بعد انهيار الرايخ الناتج عن خسارة الحرب من قبل المانيا التي انقسمت الى ألمانيا الغربية و ألمانيا الشرقية.

بقاء وكالة رويتر كوكالة دولية و تطور نشاطاتها.

بقاء الوكالة الفرنسية كوكالة دولية رئيسية و توسع نشاطاتها بعد تحولها من وكالة هافاس الى وكالة فرانس برس بعد تأميم قسم من ممتلكات وكالة هافاس التي تعاونت مع سلطات الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية 1939-1945.

تحرر وكالة أسوشيتد برس الأمريكية و هي من أقدم الوكالات اد نشأت سنة 1865، من قيود المحلية و دخولها كطرف رئيسي جديد في سوق الأخبار الدولية.

تطور نشاطات وكالة اليونيتد برس انترنشيونل UPI الأمريكية التي انشأت سنة 1958 أي تقريبا بعد قرن من بدء عمل الوكالات الأخرى، و بروزها كوكالة دولية  رئيسية  بعد دمج وكالة   INTERNATION NEWS SERVICE التي نشأت سنة 1909 وunited press associationالتي تأسست سنة 1907.

دخول وكالة تاس السوفيتية كطرف جديد في سوق الإعلام الدولي . تأسست وكالة تاس في يوليو 1925 و بقي دورها الدولي متواضعا في البداية ثم استطاعت أن تنشأ لنفسها سوقا جديدة متكونة أساسا من جمهوريات الإتحاد السوفيتي وبلدان اروبا الشرقية المتحالفة و عدد من بلدان العالم الثالث.




الحقبة الحالية التي تنطلق من سنة 1991 إلى اليوم:

بعد أن استقر الوضع المتمثل في هيمنة 5 وكالات دولية على سوق الأخبار الدولية طوال عدة عقود عرفت نهاية القرن العشرين تعزيزا أكثر للأحتكار و تضييقا لعدد الوكالات الدولية لآسباب سياسة و مالية اخرجت وكالة تاس السوفيتية و وكالة upi الأمريكية من سوق الأخبار الدولية التي اصبحت تحتكرها فعليا 3 وكالات فقط و هو وضع شبيه بما كان سائدا في نهاية القرن التاسع عشر.

فما هي أهم سمات الحقبة الحالية؟

فقدت وكالة تاس سوقها الطبيعي الذي كان يتكون من مجموعة من الدول التي يجمع بينها التحالف السياسي و الانسجام الأيديولوجي و دلك بعد خروج بلدان ارويا الشرقية من تحالفها مع الاتحاد السوفيتي التي تفككت بدورها عندما أعلنت يوم 8 ديسمبر جمهورية روسيا و روسيا البيضاء و أوكرانيا نهاية الاتحاد السوفييتي و انشئوا اتحاد الدول المستقلة كمنظمة تعاون إقليمي. و عرفت مختلف هده الدول بروز قوات سياسية جديدة و تيارات إيديولوجية عوضت الفكر الاشتراكي الذي كان سائدا.

و أن تقهقر دورها الدولي فأن وكالة تاس التي أضيف لها في يناير 1992 مختصر ايتار الدي يعني الوكالة التلغرافية لروسيا و أصبح اسمها الحالي  ITAR-TASS و يكاد يقتصر نشاطها على بلدان الاتحاد المستقلة التي تنتمي اليها جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا.

و إذ خرجت وكالة تاس من سوق الأخبار لسبب سياسي فوكالة UPI  ستعرف نفس المصير و لكن لسبب اقتصادي بحت.


طبيعة ملكية الوكالات الدولية

نستطيع أن نقسم الوكالات العالمية  ثلاثة أنماط وذلك حسب لوائحها الأساسية التي تحدد طبيعة ملكيتها :
النمط الأول تعاوني يتكون من وكالتين :  اسوشيتد برس (الولايات المتحدة)ASSOCIATED PRESS التي أنشئت عام ۱۸٤٨ بنيويورك ورويتر (إنجلترا)REUTRS التي أنشئت سنة ١٨٥٠ على يد جوليوس رويتر و بقيت على ملكه الخاص ثم انتقلت إلى آسرته إلى أن فقدت صفة الملكية الخاصة و تحولت سنة 1916 إلى ملكية تعاونية تملكها مجموعة من الجرائد البريطانية .  فرويتر حاليا شركة تعاونية تجمع عددا من المؤسسات الإعلامية بإنجلترا واستراليا ونيوزيلندا الجديدة بعد أن وقع توسيع المساهمة لجرائد غير بريطانية سنة 1941.

واسوشيتد برس كذلك تعاونية منذ نشأتها ليس لها أهداف تجارية في تعاملها مع المؤسسات الإعلامية الأمريكية و الكندية الذين يكونون التعاضدية . وسواء بالنسبة لرويتر أو بالنسبة إلى اسوشيتد برس فإنه لا يمكن لغير الوطنيين (إلا في حالات خاصة) الوصول إلى مركز قرار داخل الأجهزة الميسرة للوكالة. فاسوشيتد برس يشرف عليها مجلس إداري مكون من أصحاب الأسهم. ولا يسمح إلا لأعضاء أمريكيين وكنديين (ابتداء من سنة
١٩٧١) من شراء الأسهم.

 والنمط الثاني : يمكن أن نصنف فيه وكالة فرانس برس AGENCE FRANCE PRESSE (فرنسا)،  وريثة وكالة هافاس HAVAS التي تم تأسيسها سنة ۱٨٣٥  باسم باعثها وكانت مؤسسة خاصة، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية أنشئت وكالة، فرانس برس، بعد تأميم قسم من ممتلكات وكالة هافاس التي تعاونت مع سلطات الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ووضعت تحت إشراف هياكل تمثل فيها الحكومة ومختلف الأطراف المهنية الأخرى مثل المؤسسات الاعلامية و الصحفيين و تضمن لها لوائحها المعتمدة سنة 1957استقلالية بالنسبة إلى السلطة و تميزها عن بقية المؤسسات العامة.

و يمكن أيضا أن نضع في هدا الصنف وكالة تاس TASS التي كانت تصنف سابقا ضمن الوكالات الدولية وهي الوكالة المركزية للدولة بالاتحاد السوفيتي سابقا، أنشئت سنة ۱٩٢٥ وتعتبر رسميا لجنة حكومية مختصة في الإعلام، تحت إشراف مجلس الوزراء. و لم يغير تفكك الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991 شيء يذكر في وضعية الوكالة التي حافظت على اسمها القديم مع إضافة ايتار و بقيت على ملك الحكومة الروسية و لكنها لم تعد تعتبر عند العديد من الدارسين للأعلام الدولي في مرتبة وكالة دولية.

 والنمط الثالث من الوكالات :  يتمثل في المؤسسات الخاصة ونضع في هذا الصنف الوكالة الأمريكية يونيتد برس انترنشيونل التي و ان لم يعد يعتبرها دارسوا الإعلام الدولي من صنف الوكالات الدولية فقد لعبت دورا دوليا بارزا الى نهاية الثمانينات، وكانت ملكا بنسبة ٩٥% لشركة أي دبليو سكرايبز هوارد، وهي شركة عملاقة تراقب العديد من المحطات الإذاعية والتلفزيونية ومجموعة من الجرائد. ولها مصالح قوية في قطاع إنتاج الورق وفي الإشهار وهي أنشطة متينة العلاقة بمجال الإعلام.
ونتيجة لعجز مالي متراكم خلال السنوات الأخيرة،تم  سنة 1982بيع يونيتد برس انترنشيونل إلى شركة نيوزميديا كوربوريشان وهي شركة تجمع عددا من المؤسسات الصحفية الأمريكية. و انتقلت من جديد ملكيتها نظرا لتفاقم عجزها المالي الى شركة مدل ايست برود كستينغ سنتر و هي مؤسسة إعلامية تملكها رؤوس أموال سعودية و مقرها في لندن.
نلاحظ إذن أن وكالة يونيتد برس تمثل استثناء بالنسبة إلى الوكالات الأخرى، إذ يجوز لغير الأمريكيين المساهمة في رأسمالها حتى أن وكالة رويتر الإنجليزية دخلت في مفاوضات رسمية سنة١٩٨۱ بقصد شراء يونايتد برس، ولكن أوقفت هذه المفاوضات فيما بعد بدون الوصول إلى اتفاق.


 الوكالات العالمية هي أولا وقبل كل شيء وكالات وطنية في خدمة الصحافة المتواجدة في بلد المقر أو في بلدان تحظى برعاية خاصة نظرا لعلاقاتها التاريخية مع بلد مقر الوكالة.


عدد الصحفيين
  
يصعب حصر العدد الصحيح لمجموع الصحفيين الذين يتعاملون مع الوكالات الدولية. فباختلاف المصادر تختلف الأرقام و قد لا تميز الإحصائيات المعلنة في وثائق الوكالات دائما بين الصحفيين المتفرغين و الصحفيين المتعاونين بالقطعة . ولكن علينا أن نتعامل مع هذه الأرقام بحذر فهي تساعدنا على تكوين فكرة عامة عن الموارد البشرية المسخرة لعملية جمع المعلومات الصحفية.


تشغل الوكالة الفرنسية فرانس برس 1126 صحفيا سنة 1995 و تعتمد أكثر من ٤٠٠ صحفي خارج فرنسا (من بينهم نسبة قارة وأخرى من المتعاونين غير القارين حسب مصدر إحصائي يعود إلى سنة 1980). وتشغل الوكالة مجموعة من الصحفيين غير الفرنسيين لإنجاز مهام بلغات عديدة في مختلف أنحاء المعمورة.

أما وكالة رويتر الإنجليزية فهي تشغل 1863 صحفيا.

و تشغل أشوسيتد برس 1305 صحفيا.

أما يونايتد برس فقد تمكنت في مطلع الثمانينات أن تشغل أكثر من ٢٥٠٠ صحفي قار من بينهم أكثر من ٦٥٠ يشتغلون خارج الولايات المتحدة.
عدد المكاتب في الخارج

يعتبر مؤشر عدد المكاتب التي تفتحها الوكالات في الخارج مؤشرا لا يقل أهمية عن حجم الموارد البشرية، أد كلما تعددت المكاتب كلما كانت التغطية الصحفية اشمل لمختلف أقطار العالم.
تمتلك الوكالة الفرنسية 165 مكتبا سنة 1995 (108 مكتبا في نهاية الثمانينات حسب تقرير اللجنة الدولية لدراسة مشاكل الإعلام التي أنشئنها اليونسكو)

و الأسوشيتد برس 140 مكتبا (62 مكتبا في نهاية الثمانينات)

 و ريترز 128 مكتبا (153 في نهاية الثمانينات)

أما بالنسبة لوكالة يونايتد برس اسوسيشن فكان عدد مكاتبها في الخارج في نهاية الثمانينات 81 مكتبا  أي أكثر عددا من منافستها أسوشيتد برس.

و تمتلك تاس في نهاية الثمانينات 40 مكتبا خارج الإتحاد السوفيتي سابقا و هو أقل عدد بالمقارنة مع بقية الوكالات الدولية


وتمثل هذه الشبكة من الصحفيين ومن المكاتب التي تمتد عبر العالم، السند الأساسي للوكالات العالمية إذ تمكنها من تجميع أهم ما يجد في بلدان عديدة من العالم في مرحلة أولى ثم في مرحلة ثانية توزيع المعلومات بعد انتقائها وتبويبها في نشرات مختلفة حسب اللغة وحسب الاهتمامات الجغرافية والسياسية لمختلف دول العالم.


عدد المشتركين

ونتيجة لهذه الطاقة الكبرى في تغطية الأحداث و إنتاج المعلومات تكتسح الوكالات العالمية أسواقا مختلفة وتكسب عملاء عديدين في مختلف الأقطار، زيادة على حرفائها داخل بلد مقر الوكالة.

توزع وكالة رويترز خدماتها الإعلامية على 5000 مشترك سنة 1995 و تتميز دون سواها من الوكالات بتعاملها مع المؤسسات الاقتصادية و المالية و لا يتجاوز عدد المؤسسات الإعلامية مثل الجرائد و المحطات الاداعية نسبة 6 في المائة من مجموع المشتركين.

أما فرنس برس فهي توزع خدماتها على 2650 مشترك سنة 1995

و توزع الأشوسيتد برس خدماتها على حوالي 10000 مشترك في نفس السنة

و تمكنت يونيتد برس اسوشيشن من تسوق خدماتها الى ٢٢٤٠ مشتركا خارج الولايات المتحدة من بين حوالي ٧۰۰۰  مشترك في الجملة في نهاية الثمانينات.

 و تجاوزت الوكالات الدولية مرحلة المنافسة القوية التي عرفتها فترة النشأة و يمكن أن نقول أنها تنتهج الآن منافسة مهذبة تعتمد نوعا من أنواع تقسيم السوق حسب اعتبارات تاريخية و ثقافية. فوكالة فرانس برس مثلا متواجدة في الدول الفرنكوفونية المستعملة كليا أو جزئيا للغة الفرنسية بحكم الاستعمار الفرنسي والآثار الثقافية واللغوية لهذا الاستعمار من بينها وجود جرائد باللغة الفرنسية مثلما هو الحال مثلا في بلدان المغرب العربي .
أما وكالة رويتر فلها تواجد قديم بدول الكومنويلث التي كثيرا ما تستعمل اللغة الإنجليزية. وتعتبر أمريكا اللاتينية مجالا شاسعا لاسوشيتد برس  الأمريكية.
 
ولكن هذا لا ينفي مثلما أسلفنا تنافسا جزئيا بين وكالتين قد يأخذ صبغة حادة. نذكر على سبيل المثال التنافس الذي وقع خلال السبعينات و لا يزال متواصلا في منطقة المشرق العربي بين رويتر وفرانس برس فإذا كان تواجد فرانس بريس يعد تقليديا في بلدان المغرب العربي بحكم الاستعمار الفرنسي السابق لهذا الجناح من العالم العربي، فان المشرق كان يعد سوقا تقليدية لرويتر. ولكن تمكنت وكالة فرانس برس من التغلغل في هذه السوق على حساب رويتر. واستغلت لصالحها الصّورة التي نجح الجنرال ديجول الرئيس الفرنسي السابق في تمريرها والتي تقدم فرنسا كصديقة للعرب في صراعهم مع إسرائيل، ومحاولة كسب نسبة من سوق المشرق العربي جعلت فرانس برس تبعث نشرة بالعربية، وهي ترجمة للأخبار المحررة بالفرنسية .




المصدر: د.المهدي الجندوبي، صحافة الوكالة صحافة الأساس، نشر معهد الصحافة و علوم الأخبار، 1984، 110ص. (نشر باللغة الفرنسية و توجد نسخة مترجمة غير منشورة، أعدّها د.مصطفى حسن بطلب من المركز الأفريقي لتدريب الاتصاليين بتونس CAPJC)